الشباب العربي الأبيّ الذي يكسرّ، ويحطم، ويحرق أعصاب الآخرين محلياً، حين ينوي الذهاب إلى أوروبا تجده محترماً، مهذباً، يتقدمه الأدب والانضباط، ويكثر من كلمة شكراً على الطالعة والنازلة، ويحترم المرأة، ولا يجسر أن يخدش حياءها بأي كلمة، وتخف عنده مسألة الإقدام والجسارة حد التطاول وإزعاج الفتيات الخرّد الغيد، بإجبارهن على سماع أغاني «المشتختة» المشروخة، والأرقام النارية المدفوعة، ويتبعهن مثل ظلهن، وكأنه واحدة من خالاتهن، حتى زوجته يرى فيها أمام الغرب المتحضر مثالاً للمرأة الواعية، والمناضلة في سبيل تحرر المرأة العربية، ويقدس معها حينها الحياة الزوجية، ويفتح لها الباب على طريقة «أتيكيت الجنتلمان» الإنجليزية، وهي تطالعه بطرف عين غير مصدقة أن كل هذا الأدب حلّ فجأة على مصبح الذي كان جلفاً، و«ينازع ويفاتن على أدناة الدون»، وما عنده غير:«قومي جابلي عيالك أبرك لك، بدال ما فاجه نطعك جدام التلفزيون، وهالمسلسلات التركية» أو«أنا ظاهر.. وإذا بدت لكم حاجة أو أعتزتم شيئا..عندكم الدريول». يلتزم أخينا العربي بالصف والطابور، ولو وقف ساعة قبل أن يصل دوره لشراء أيس كريم أو يجد مكاناً في مطعم مكتظ أو مقهى عامر، أو في محطات وقوف سيارات الأجرة، ثمة صبر ينزل على أخينا العربي المغوار في الخارج، فيكون هادئاً، طيعاً، ريّعاً، فلا يمكن أن يرفع صوته في قاعة السينما، ولا يفعل كما يفعل في بلاده، يحجز الكرسي الذي جنبه والكرسي الذي جنب الحرمه، والكراسي التي معالي ظهره حتى لا يصادف ويجلس مواطن عدال حريمه، لا يمكن أن يتحدث في النقال ربع ساعة بصوت عال يسمعه كل رواد المطعم، ويعرفون قصته الحقيقية مع الطرف الآخر، وأسماء الشخصيات التي ظهرت في الحوار الهاتفي المباشر، لا يمكن أن يرمي مخلفاته إلا في سلال القمامة المخصصة لها، لا يمكن أن يسحب سيجارة في مكان ممنوع فيه التدخين، سيجد ألف يد تمد إلى وجهه، ناهرة، ومهددة، ومحتجة، بعضها يتبع لهيئة رعاية الأطفال الرضع، وأخرى لهيئة البيئة، وأخرى للمسنات غير المدخنات، وأيادٍ أخرى لمواطنين صالحين، دافعين للضرائب، يتمتعون بوقتهم، وفي مكانهم المفضل، وثمة شخص غير واع، ولا مدرك، أجبرهم على التدخين السلبي، ولو كحّ واحد منهم، فلا يستبعد أن يرفع عليه قضية، ويطلب تعويضاً عن تلف رئتيه، ولو شرقت عجوز، فلن يخلص من فاتورة أدويتها التي بلا فائدة تذكر مع العمر المتقدم.. ونكمل غداً