الحركة تتبعها مادة، ومادة الحركة فكرة أولية تبنى عليها أفكاراً وعقائد، اليوم ونحن نعيش حركة الفكر الطائفي، نواجه حتماً قضية وجود هذا الوجود الذي صارت تنهشه معاول الهدم وأنياب العدم، ففي البدء كان الإسلام، وكان الآخر ينظر إلى هذا الدين كريادة فكرية تفرد بها العرب دون غيرهم، وبعد أن اتسعت رقعة الإسلام وعم تضاريس شاسعة من العالم شرقاً وغرباً، بات من البديهي أن يواجه حضارات وأقواماً لها تاريخ ووجود سابق لمجيء الإسلام، الأمر الذي جعل من حلول الإسلام في تلك الديار معضلة كبرى، وتتمحور هذه المعضلة في رفض الجسم الغريب حفاظاً على الوجود، وحماية لفكر قديم استوطن الوجدان، ولكن بعد أن اكتشف الآخر قيم الإسلام السامية، تفادى الصدام وارتخت أعصابه وقبل بالأمر الواقع، كون الإسلام حقق ما لم تحققه المعتقدات الأصلية لتلك الشعوب، ولكن هذا لا يعني أن للعقل الباطن قوته ونفوذه في رفض ما احتل مكانه أو جاوره على الأقل، فماذا جرى؟ نجد العلاقة بين الإسلام وتلك الشعوب شابها شيء من الرفض الداخلي والقبول الخارجي، وذلك تحيناً للفرص، وما أن صنعت الدولة الإسلامية وسارت في مشارب غير المشارب العقائدية التي جاء بها الإسلام، حتى انتفض الانتهازيون وانتصب الوصوليون والمنافقون، وكبرت كتل الجحيم حتى صارت دولاً بأكملها تقارع الدين الحقيقي وتزيف وتحرف وتخرف وتجرف. وأمثال عبدالله بن سبأ وعبدالله بن ميمون القداح كثر، بل أسسوا دولاً تتظاهر بالإسلام وتخفي عداء سافراً ضده تحت غطاء طوائف وملل تدعي الانتماء إلى بيوت رسول الإسلام، ولكنها في حقيقة الأمر هي تريد أن تستعيد تاريخاً مندثراً وزمناً غابراً وثقافة مدفونة تحت رمال العقل الباطن، واليوم نجد مثل هذه الكتل النارية تتحرك بخبث ونذالة وادعاء مكشوف، ترفع شعار الإسلام وتدس في وعائه سماً قاتلاً، تفكر في سوداويتها وتظهر أنها تحارب من أجل الإضاءة، وتنوير الناس. الحروب الطائفية علمتنا كيف نخبر أنفسنا أولاً وأطفالنا ثانياً لنقول لهم: لا تظنوا أن من يضع العمامة أنه ابن جلا، بل ما في الباطن هم أشد وأنكأ، وأن الغثيان الداخلي يبطن لوعة داخلية وشوقاً مراً للعودة إلى الجذور الأولى والاستقرار هناك عند زرادشت وناره الحامية.