الاهتمام بحفظ الآثار المعمارية والثقافية لأي بلد من البلدان دليل وعي بأهمية هذه الآثار التي سادت في فترات ماضية من عمر هذا البلد أو ذاك، أهميتها كمرجعية قومية وكذاكرة عامة وكقاعدة يتفق حولها الجميع، باعتبارها من الجذور القوية التي تربط بعضهم ببعض، مولدة فيهم روح الهوية والانتماء، وهي أولاً وأخيراً مصدر فخر وشكل من الأشكال التي يقدم بها أي مجتمع نفسه للعالم باعتباره مجتمعاً أصيلاً متجذراً في تربته وفاعلاً في سير الزمن والأحداث، دون أن ننسى الدور الاقتصادي الذي تلعبه هذه الآثار باعتبارها مناطق جذب سياحية بامتياز، ولأن السائح يعرف تاريخنا الذي كان من خلال هذه الآثار، فإن علينا أن نكون شديدي الحرص والانتباه ونحن نعيد استثمارها ونعرضها أمام العالم! حينما كنت أتجول بمنطقة «الراس الأثرية» في دبي قريباً من سوق الذهب، كانت دليلي لمعرفة تفاصيل المكان هي والدتي، وقد كانت خير دليل، أولاً لأنها ابنة المكان ففيه ولدت ونشأت وكبرت وثانياً لأنني أثق في معلوماتها وذاكرتها، فهي تحفظ معالم المكان بدقة، لذلك قادتني بوعي ودقة ومعرفة جعلتني أنصت لوقع خطوات من مروا وساروا في أزقة الراس وسكنوا بيوتها، عبرت معها ذلك الزقاق الضيق المتفرع من أحد شوارع السوق، الذي رممت بلدية دبي جزءاً مهماً من بيوته، والذي أفضى بنا في نهايته إلى واحد من أقدم وأهم مباني الحي والمدينة معاً، مدرسة الأحمدية للبنين، والتي بناها أحمد بن دلموك ودرس فيها نفر من أشهر معلمي وعلماء دبي، ومن سكنوا دبي من علماء جاؤوا من بلدان عربية مختلفة. المدرسة على الرغم من ترميمها والعناية بها، إلا أن توظيفها لا يتم بالشكل المطلوب، فهناك الطابق العلوي من المدرسة الذي يكاد يكون مهجوراً، والزيارات للمدرسة تكاد تقتصر على المدارس فقط، وسياح الصدفة، أظن أن المبنى يمكن توظيفه بشكل أفضل ثقافياً، كما أن المدرسة على الرغم من أهميتها الأثرية والتراثية، لا تضم محلاً لبيع التذكارات التي تكرس تاريخها وتنشره بين الزوار والطلاب، نعم هناك نشرات سياحية في الداخل لكن التذكارات التي تخص المكان ذاته بكل تفصيلاته لم يتم الانتباه لها في كل معالم دبي الأثرية، ففي أماكن كثيرة تباع تذكارات دخيلة علينا - على أنها إماراتية - وهو أمر يشكل مخالفة حقيقية وتجاوزاً في حق تراثنا، فلماذا نبيع تذكارات هندية وتركية وإيرانية في هذه المناطق ولماذا نروج لثقافات أخرى ابتداء؟ هذه الأماكن ليست سوقاً أو دكاناً عاماً، إنها أماكن ذات حضور وخصوصية ثقافية محددة وما يباع فيها يجب أن يخدم هدفاً ثقافياً بحتاً، لذا يجب عدم التلاعب بهويتنا أو التهاون فيها في عقر آثارنا، أظن أن هذا أمر لا يختلف عليه اثنان! في مقابل مدرسة الأحمدية الأثرية، يوجد مسجد صغير جداً مرمم، يلاصقه دكان صغير علقت عليه لوحة وجدتها تشكل نشازاً حقيقياً، كان الاسم المدون على اللوحة في غير مكانه، أما كان يمكن للبلدية أو إدارة الترميم أو الجهة المسؤولة عن منح التصاريح أن تقترح اسماً يتناغم مع روح وتاريخ المكان اسم مغاير ومختلف عن (أكبر زماني سوران؟). الذين يعرفون هذه المنطقة يقولون إن هذا الدكان الصغير بجوار المسجد كان لرجل اسمه يمعه (جمعه)، ربما لو بقي هذا الاسم لكان أفضل من (زماني سوران) ليس تقليلًا من أحد ولكن وضعاً للنقاط على حروفها الصحيحة لا أكثر، نحن هنا نتعامل مع ذاكرة بلد ومجتمع وشعب، بعيداً عن ذهنية السوق واللامبالاة، كما أن استثمار البيوت الأثرية كفنادق هندية شكلاً ومضموناً يحتاج إلى مراجعة، وتسمية هذه الفنادق بأسماء أصحابها الحقيقيين... بحاجة للمراجعة! ayya-222@hotmail.com