هل للأصوات ذاكرة تأتي عند الاستدعاء أو عندما يأتي حدث معين يعيد إليك تفاصيل الحياة، بل حتى الأمكنة؟ وهل لكل بيئة أصوات خاصة وخصوصية تتحدث عن الزمان والوقت والأمكنة؟ الإجابة هي نعم بالتأكيد، فلكل بيئة أصوات خاصة، ومؤثرات تظل في ذاكرة الإنسان حتى نهاية العمر. كثيراً ما تكون لدى بعض الناس أصوات خاصة تأتي من المحيط الذي نشأوا فيه بدءاً من الناس وانتهاء بظروف الحياة والمجتمع، وعندما تنتقل إلى بيئات أخرى تكون الأصوات التي لم تألفها في حياتك منذ النشأة الأولى غريبة وعجيبة، تحتاج لزمن كي تتأقلم معها. في الذاكرة صور كثيرة قديمة عن تأثير الأصوات علينا نحن الذين عرفنا حياة الساحل والبحر والرمل ولم نفارقها أبداً. لعل أول مظاهر هذا التأثير حدثت في أول احتكاك بالمدينة عندما ذهبنا إلى الدراسة المتوسطة وغير المتوافرة في الزمن القديم في منطقتنا جميرا، وعندها كان لزاماً علينا أن نذهب كل صباح إلى مدينة دبي ومدرسة الشعب على وجه التحديد، تلك المدرسة العريقة التي خرجت أفواجاً كثيرة من أبناء دبي. نحن القادمين من منطقة أم سقيم وجميرا غريبون على بيئة المدينة. أصوات كثيرة هنا لم نعتدها لكنها لافتة لنا ومثيرة لدرجة التعجب والاستماع لها بتأمل وتدقيق، لاختلافها عن البيئة التي جئنا منها، والتي بها كثير من أصوات رجال البحر وريح الشمال وريح الكوس وريح السهيلي المؤثر بقوة على البيئة والناس، كذلك أصوات البحر والموج، وطيور النورس في فصل الشتاء، والأسماك في الشباك أو العومة/‏‏ السردين على السيف، نعم أصوات رائعة في كل شيء لنا، نحبها كثيراً، بينما أصوات المدينة أو بعضها مزعج وعجيب وغريب علينا. بعد أن ينتهي الدوام المدرسي وفي فترة الانتظار الطويل لسيارة الـ (G.M.C) أو سيارة الشحن الكبيرة، كنا نقوم بتأجير الدراجات الهوائية من محل قريب من المدرسة وننطلق في السكيك الكثيرة. أول الأصوات العجيبة سمعتها صوت الحدادين والصفارين، ثم صوت الأكف على الصدور التي تأتي من مبنى محاذ لهم كأنها ضرب الموج على الشاطئ، كانت الأصوات عجيبة علينا وقتها، واحتاج الأمر عمراً طويلاً حتى نفهم، أيضاً توقفنا عند صوت آلة ضارب القطن (المضرب)، وصوت عبرة الديزل، وصوت البط والأوز في بيت كان يقبع بجوار مدرسة الشعب. كانت أصوات هذه الطيور عجيبة علينا نحن أهل البحر، وكم أمضينا وقتاً طويلاً في المشاهدة والتعجب. هل للأصوات ذاكرة، تأتي ثم ترحل حسب الاستدعاء أو الظروف؟ أحسب الأمر كذلك.