أتأمل أحياناً في الكتابة الأدبية الغربية الحديثة والمقارنة بينها وبين الكتابة الأدبية العربية. يبدو أنهم في الغرب أصبحوا يكتبون بدافع الملل، الأفكار تأتي من رأس الكاتب، وفي أغلبها أفكار خيالية عن مخلوقات تظهر وتتحول وأحداث فيها عنصر تشويق وإثارة، يهمهم جداً هذا العنصر، هو الملح في العمل الفني لديهم، وبالتشويق والإثارة يقصدون اللامعقول؛ البحث في ما وراء اليومي والمعتاد لتلميعه وإعادة صقله وتقديمه لقارئ يبحث عن الإحساس باللحظة. اللحظة التي أغرقتها حياة حتى أوشكت أن تموت. قارئ يبحث بنهم عن أي إثارة حادة تكسر روتين حياته المتكاملة الأركان التي لم يعد فيها شيئاً يحتاج إلى ترتيب سوى السأم فيريد أن يحييها بصدمة الخيال الجامح. في حين يأخذ الكاتب العربي ركناً قصياً ليكتب كتابة تنتشل روحه من واقع يحاول ألا يسقط في براثنه القوية التي تسحب أفراده جميعاً في دوامة صراع الوجود. يحاول أن يقاوم التماهي في المجموع حفاظاً على هوية فردية تحفظ له ملامحه الخاصة. فهو يكتب ليتحدى، وهو يكتب ليعبر عن أحلام الناس وصراعهم في السقوط والنهوض، في فلسفة المحاولات والنفاذ بالجلد هذه المرة وليس كل مرة، في الحياة على الحافة، على الهامش، وفي الكفاح للحصول على الحق في الحياة، يكتب العربي عن حياة قارئ يبحث عمن يفهمه ويتحدث بلسانه. ولا يحتاج أن يختلق أفكاره إذ تأتيه من المشهد اليومي الحي المتحرك أمامه، كل ما يحتاجه فقط أن يتأمل دون أن ينجرف، ويُشَرّح دون أن يفقد الحب، ويعالج الحالة ويده على قلبه، وهو يكتب ليكون، ويتشبث بالحرف طوق نجاة. أفكار قصصه تتراءى أمام عينيه بما لا يمكن أن تخطر في خيال الغربي، وغالباً لن يجني المال من وراء الكتابة وسيعيش على الكفاف ورغم ذلك يكتب وإن خرج من الكتابة إلى البحث عن لقمة عيشه تراه وقد ذبل مثل وردة انتُزعت من تربتها. سيبدو بائساً يريد أن يعود إلى أوراقه التي يعرفها كوطن لم يعرفه. فتبدو المقارنة وكأنها بين الكتابة كوسيلة «وجود» في الشرق، والكتابة كوسيلة «عيش» في الغرب. بين من يكتب ليحيا، ومن يكتب ليتسلى فيما يؤمّن مصدر دخله. في الكتابة العربية يضع الكاتب همّه، وهموم الناس، وفي الكتابة الغربية يضع الكاتب حبات شوكولاتة بداخلها عبارات حظ مسلية تبشر بيوم سعيد في نهايته مفاجأة.