كرة القدم لعبة جميلة، وحدث رائع، هي اللعبة الأولى في العالم، وتحظى بمتابعة مليارات البشر، واللعبة القادرة على أن تحظى بقبول ومتابعة وشغف من كل هؤلاء الناس، هي بلا شك لعبة عظيمة، ولكن مهما كانت عظمتها، أو بلغت شعبيتها، فهي أقل شأناً من أن تكون سبباً في اختلاف الأمم وتفتتها.. العالم بات أكثر وعياً ولم تعد فكرة سائغة ولا منطقية في هذا الزمان أن تنشب حرب بين بلدين بسبب مباراة في كرة القدم، كما حدث قبل 46 عاماً بين الهندوراس والسلفادور، بل أصبحت الجماهير أقل صخباً وتعصباً، ولم تعد خسارة كارثية كتلك التي تعرضت لها البرازيل أمام ألمانيا وبسباعية على أرضيتها الخالدة الماراكانا في كأس العالم الأخيرة قادرة على إشعال ثورة جماهيرية تحرق الأخضر واليابس كما كانت لتفعل في أزمان مضت. زاد الناس حباً لكرة القدم، ولكنهم زادوا إدراكاً كذلك أنها لعبة ليست أكثر من ذلك، ولا يمكن أن تكون سبباً في خسارة أصدقاء، أو الحصول على أعداء، بل هي وسيلة لإظهار حضارتنا البشرية في أسمى صورها على ضوء النتيجة، فنفرح بالفوز ونتقبل الهزيمة دون التنغيص على الآخرين في لحظات أحزانهم أو أفراحهم للنتيجة ذاتها. التعصب في ملاعبنا لا يمكن أن يصل إلى ما وصل إليه في أوروبا أو أميركا الجنوبية على سبيل المثال، ولكن هنا يتم الفصل بين جماهير الفريقين برجال الشرطة، وبمنطقة عازلة خالية بين الطرفين، بينما شاهدنا في المباراة النهائية لكأس العالم العام الماضي بين ألمانيا والأرجنتين، كيف كانت الجماهير تجلس سوية، هذه المجموعة تشجع ألمانيا وتحيط بها مجموعة أكبر تشجع الأرجنتين وهكذا، ولم نسمع عن أي حوادث أو محاولات للخروج على النص بين هذه الجماهير المختلفة في ثقافاتها وعاداتها وطباعها ودرجات تعصبها. نعم لحملة «لا للتعصب الرياضي» التي أطلقتها النيابة العامة في أبوظبي، وهذه الحملة يجب أن تكون عنواناً لموسمنا الرياضي الذي بدأ منذ أيام ولكل مواسمنا الرياضية القادمة، ويجب أن تتبناها كل مؤسساتنا الرياضية، ويجب ألا تتوقف حتى تحقق النتيجة، وحتى نؤسس لثقافة مجتمعية حقيقية، وحتى يتم إلغاء المساحات العازلة بين الجماهير في ملاعبنا، وحتى تختفي الحواجز البشرية الأمنية، وحتى نجد في المدرج نفسه الجماهير باختلاف انتماءاتها تجلس سوية، الوحداوية والأهلاوية والعيناوية والوصلاوية وكل جماهير الأندية.