تتشابك الخطوط وتتعالق التوقعات بين ما نتمناه وما علينا القيام به لتحقيق ما نتمناه، فمن وجهة نظري أن الأمور لا تسير بإطلاق الأماني، وإنما بالفعل المناسب لتحقيق الأمنية الذي يجب أن يرتبط بمجموعة قواعد واضحة، يتحقق تطبيقها بنظام محكم من الإثابة والعقاب. حسب ما هو معتقد، فإن تغيير ثقافة الجماعة أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً، خاصة عندما تتجذر بعض السلوكيات فيها فتصبح مكملة لتكوينها، مما يجعل الحل الوحيد في التغيير هو فرض خطوط محددة من القواعد، تسير عليها الجماعة لضمان تحقيق الهدف· هذا جانب، أما الجانب الآخر فيتعلق بالهدف الذي نرغب في تطبيقه، فعندما يتعلق الأمر بمفاهيم سلوكية، تنعكس على طريقة تنظيم وحركة المجتمع، فلا بد لنا من قاعدة تنظيمية واضحة مرتبطة بنظام واضح من العقاب والثواب· مع التأكيد هنا أني لا أتحدث عن مفاهيم فكرية ذات تأثر غير مباشر على تنظيم المجتمع وحركته، ولتوضيح الفكرة فلنتخيل - مثلاً- مجموعة كبيرة من البشر من ثقافات مختلفة تصطف في طابور طويل يمتد إلى ثلاثمائة متر للحصول على غرض ما، وهذا هو المفهوم السلوكي الذي لو لم يخضع له هؤلاء البشر لعوقبوا بعدم حصول مبتغاهم، أما المفهوم الفكري، هو ما يقوم به كل شخص في هذا الطابور «ثقافة شخصية»، فمنهم من سيقضي وقته في البحلقة بمن هم حوله ومضايقة الآخرين بنظراته، ومنهم من سيقرأ في كتاب، ومنهم من سيضع سماعة أذن على موسيقى صاخبة·· وهكذا. وهذا ما يمكن أن نراه وبوضوح عند زيارة إحدى الدول التي تستقبل سائحين من مختلف بقاع الأرض، وكيف أنه وبرغم الثقافة المختلفة لكل سائح، ستجده يخضع لقواعد المكان بكل ترحاب، فيتنازل بهدوء عن سلوكه الذي اعتاده في ثقافاته في حالة تنافيها مع قاعدة المكان الجديد، وذلك بالتأكيد تفادياً للعقوبة، وما نراه أيضاً في سلوكيات أشخاص يأتون من دول عرفت بتنظيمها الدقيق لدول أخرى لا قاعدة فيها ولا عقاب، فينصهرون في فوضاها، رغم اعتيادهم الطويل على النظام· إذن فقاعدة المكان (الدولة أو العمل أو حتى المنزل) المرتبطة بنظام الإثابة والعقاب هي المنظمة لحركة الناس وسلوكهم، والذي على أساسه ستتحدد قدرتهم على تحقيق أهدافهم وأمانيهم.