الخلايا والرزايا والنوايا السوداوية تهب رياحها المفزعة في مكان من مكاننا العربي، والذين يريدون أن يوأدوا الأحلام كثر، والذين يريدون أن يَرْدوا الحياة قتيلة كثر، والذين أصبح الموت عصفور الحقد يطاردونه ويلاحقونه ليرهبوا به البشرية، ويطيحوا الديانات السمحاء كثر.. وباء الحقد أشد فتكاً من الطاعون والكوارث البشرية، وآفة الكراهية توغلت في نفوس المتزمتين حتى أصبحت كتلة من جحيم. الخلية الإرهابية التي تم اكتشافها في الكويت والأسلحة التي صودرت وخبأت تحت خرسانة إسمنتية، حدث يؤكد أن هؤلاء انسلخوا من آدمية البشر وتحولوا إلى كائنات عدوانية بغيضة لا هدف لها غير القتل والتدمير.. على الشاشات التلفزيونية كان المشهد مريباً، ومهيباً، وعجيباً، فكيف يمكن لإنسان من دم ولحم، ومن عقل وبصيرة، أن يفكر في القتل من أجل القتل لا غير؟ كيف يمكن لإنسان ينتمي لأي عقيدة أن يغادر منطقة الإحساس ليدخل في حالة التخشب، وينبري وحشاً ضارياً، لا يفتش إلا عن الحيلة التي تؤدي به إلى ارتكاب جرائم ما خطرت على بال بشر؟ إنني من خلال هذا المقال المتواضع، أدعو كل مفكرينا وعلماء النفس والاجتماع والفلاسفة والساسة، ورجال الدين أن يجتمعوا على كلمة سواء، ويتوقفوا بثبات عند هذه المنطقة الحرجة من التفكير، وأن يعيدوا النظر في مواجهة هذه المعضلة الكبرى، فطالما أن الداء لا يزال مستفحلاً، فلا بد من وجود الخلل ولا بد من الجدية في تفسير ما يحدث، فالمسألة لم تعد مقتصرة على خلايا في مناطق محددة من العالم، بل إن الآفة أصبحت كائناً ضخماً يتحرَّك بعنجهية، وجبروت ولا يفكر إلا في الموت. فالجميع اليوم مطالب بأن يحرك عجلة الفكر، وأن يفتح نافذة العقل، لأن ما يفعله الإرهاب، عجز عن فعله عتاة «الفايكنج» في أوروبا، وعجز عنه المغول، وعجز عنه جحافل الإسكندر الأكبر، ما يحدث شيء ترتجف له الفرائض، وتهتز له الأبدان لأنه عمل قتالي منظم، ولا يمكن أن يكون ضمن خلايا منفردة وعشوائية، بل هو من فعل قوى نورانية خبيثة وعبثية وعدمية، هدفها تدمير الحضارة الإنسانية وإشاعة الخراب والدمار في العالم، وإطاحة القيم والحضارات المركزية، وهذا الفكر الهدام بحاجة إلى فكر مضاد يواجه الهدم بالبناء.