الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مأساة «أفريقيا الحقيقية»!

20 أغسطس 2015 22:19
ينطلق المؤلف الفرنسي برنار ليجان في كتابه: «لنجرؤ على قول الحقيقة لأفريقيا» من تفنيد كثير من الدعاوى والدعايات السائدة في أوساط بعض «الخبراء» ووسائل الإعلام، حول حالة القارة السمراء الآن، ولعل أولى تلك الدعايات هي الزعم بأنها تشهد اليوم قصة صعود اقتصادي واجتماعي واعدة، وأن معدلات النمو التي تحققها باهرة، وأن قفزة اقتصاداتها تحولت الآن إلى ظاهرة ملفتة، تستحق الكثير من الإشادة. وبدلاً من كل هذه الرؤية بنظّارات وردية حالمة، يعمل الكاتب على إظهار ما يعتبره هو حقيقة معاكسة تماماً، حيث معدلات نمو القارة ضعيفة، أو هي تراوح مكانها، فيما الفقر يزداد استشراءً، والفساد يضرب أرقاماً قياسية، والطبقة الوسطي الأفريقية تزداد تقلصاً وتآكلاً، في وقت ترمي فيه القارة السمراء بمئات الآلاف من أفلاذ أكبادها إلى متاهات الهجرة السرية عبر البحر المتوسط. كما تزداد الصراعات والنزاعات داخل القارة اشتعالاً واستعاراً، وتُنهب الموارد من قبل القوى الدولية المتكالبة، وتتخلف الشعوب الأفريقية عن ركب التنمية وتفتقد فرص الحياة والخدمات وحتى الاستقرار، ولا تمتلك أصلاً ترف التفكير في الصعود والازدهار. ولعل مما يزيد من قيمة هذا الكتاب أن مؤلفه «برنار ليجان» يعتبر من أكثر الخبراء الفرنسيين معرفة بتفاصيل المشهد الأفريقي في مختلف أبعاده، فهو أكاديمي، وأستاذ في مدرسة الحرب بباريس، ومحاضر في مدرسة «سين سير» العسكرية المرموقة، كما أنه خبير لدى محكمة الجنايات الدولية الخاصة برواندا، ويصدر مجلة إلكترونية تدعى «أفريقيا الحقيقية». وهذه الـ«أفريقيا الحقيقية» ذاتها هي ما يحاول أيضاً كشفه في كتابه هذا الواقع في 224 صفحة، من خلال تحليل وتفكيك الحالة الاقتصادية الأفريقية اليوم، بالاعتماد على إحصاءات وأرقام موثقة مدققة، يعتبرها أبلغ رد على الأحكام المسبقة حول فقاعة النمو الاقتصادي الأفريقي المزعوم. ومع أن الدول الأفريقية تتفاوت من حيث نمو اقتصاداتها، وأن هنالك دولاً قليلة تبدو في حال أفضل من بقية دول القارة السمراء، فإن الأغلبية الساحقة من هذه الدول ترزح القطاعات الأعرض من سكانها تحت خط الفقر. وخلال الفترة من 1981 إلى 2008 تراجع نصيب الفرد الأفريقي من الدخل القومي الخام بنسبة 15% بحسب إحصاءات البنك الأفريقي للتنمية، التي تقول إن واحداً من كل 3 أفارقة يعتبر اليوم ضمن الطبقة الوسطى، وهو ما يعني أن 370 مليون نسمة من سكان القارة باتوا داخلين ضمن هذا التصنيف المتفائل، لولا أن ما مفهوم «الطبقة الوسطى» في الحالة الأفريقية مختلف عنه في حالات الاقتصادات الكبرى والقارات الأخرى، فأن يكون الإنسان من هذه الطبقة في القارة السمراء فذلك يعني أنه يعيش على ما بين 2,2 إلى 20 دولاراً فقط في اليوم. وعدد سكان القارة اليوم يصل إلى 1,1 مليار نسمة، ويرزح منهم 850 مليون نسمة في أشد أنواع الفقر والفاقة. كما يتتبع المؤلف أيضاً بالأرقام مئات مليارات المساعدات التي نالتها القارة منذ استقلال دولها الوطنية، مؤكداً أن العائد منها كان في معظم الأحيان سلبياً، بسبب ممارسات الفساد، وارتفاع الديون، والشراكات غير المنصفة مع الشركات والدول الكبرى التي يقع في كثير منها سلب ونهب واسعان لموارد القارة، دون عائد تنموي فعلي حقيقي، هذا إن لم تكن أصلاً هي أحد أسباب ترسيخ وتكريس الفساد في الداخل الأفريقي، وخلق طبقة مستفيدين منه بشكل شبه مستدام. حسن ولد المختار الكتاب: لنجرؤ على قول الحقيقة لأفريقيا المؤلف: برنار ليجان الناشر: روشيه تاريخ النشر: 2015
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©