في بعض السجون الأوروبية تتاح للمساجين فرصة التأهيل العلمي بتخصيص ساعات عملية للدراسة في فصول منتظمة تصل حتى التخصص والحصول على الشهادة الجامعية، وذلك حسب رغبة الطالب السجين في نوع التخصص الذي يريده ويحلم به.. ليخرج من السجن مزودا بسلاح وهو سلاح ليس للقتل أو التخريب، بل سلاح للعلم والعمل والبناء والانخراط في المجتمع من جديد بروح وعقلية صالحة.. شهادة يحصل عليها من جهة رسمية تراعي كثيرا حق السجين في استعادة الجانب الإيجابي من حياته وكذلك حقه في عدم الإشارة من بعيد أو قريب إلى حصوله على هذه الشهادة من السجن. وفي الأزمان البعيدة كان الطالب النظامي يرسم بخياله شكلا ما للحياة، ليخلق حلما يسكن وجدانه، فيعمل على تحقيقه في القادم من أيام الدراسة، وفي ذلك يعمل الأهل على تشجيع ابنهم أو ابنتهم على بلوغ الهدف ويقومون باقتراح حلمهم على ابنهم كي يحققه، وبين هذا وذاك يقبض البعض على حلمه والبعض الآخر يتخلى عنه من أجل الأهل كما نعلم وكما قالت لنا الكثير من الأعمال الأدبية والسينمائية العربية.. ولكن في الأخير يكون هناك حلم خاص قد تحقق في ميدان التعليم. أحلام كثيرة تملأ رؤوس الطلاب والطالبات في ميادين التعليم ما قبل الجامعة والتخصص، أحلام شكلتها الاهتمامات والمواهب الشخصية، أحلام تربت ربما منذ الخطوات الأولى في مجال الدراسة، حلم شكلته همسة في أذن أو موقف مؤثر في الطفولة. بعضهم حلم أن يكون طبيبا أو مهندسا، مدرسا، مسرحيا، تشكيليا، موسيقيا، جغرافيا، رياضيا، أو سياسيا؛ أحلام كثير يتسع لها الفضاء والأيام والحق في تحقيق هذه الأحلام بسلاسة. كان يحدث هذا ولقد شح زمانه ولم يعد للحلم مكان في عالم التعليم إلا فيما ندر، حيث يعيش الحلم أشد أزماته، مع تسليع الطالب ليكون قابلا لمنطق السوق، أي سوق العمل وما يشترطه من حاجات آدمية عليها أن تكون بمواصفات السلعة العالية الجودة كي تحصل على مشترٍ يدفع أفضل (وهو سوق العمل). حاجة سوق العمل من التعليم، منطق يروج في العالم، ومن أجل هذا السوق تحدد شروط (السلعة/ الطالب) ويوجه التعليم نحو ذلك، متناسين أهم شرط، وهو الاختيار الحر في نوع التخصص والرغبة في تحقيق الحلم الذي نما في روح الطالب وخياله، وليس التوجيه المشروط إلى التخصص المقبول في السوق الذي ربما يغلق أو أغلق عددا من الكليات المهمة المتعلقة بالعلوم الإنسانية والفنون. الحياة حلم كبير وحقل العلم فيها واسع، ومن أجود أنواع التعلم هو الحب والاختيار الحر الذي يحقق الإبداع والرغبة في مواصلة الاكتشاف والترقي. ومن أهم حلول مشاكل التعليم هي التي تستقى من داخل بيئة الحقل التعليمي ومجتمعه؛ الحلول التي تبحث عن الارتقاء الجمالي وتحفيز القدرات والمهارات الإبداعية لدى الطلبة عبر كادر تعليمي عالي المهارة والذكاء والانفتاح الثقافي.. وليس تلك الحلول التي تنسخ من تجارب بلدان أخرى وتطبق كما هي دون مراعاة الكثير من الشروط العلمية والثقافية، وعند فشلها ترمى ثم يأتى بغيرها وهلم جره.. ويكون المكان هو الخاسر الأكبر منها. يتحقق الحلم في السجن ويتحقق في الماضي إلا أنه يختنق في الحاضر، وعندما يعيش الخيال والحلم في أزمة فإن البلدان والشعوب تكون في أوج جفافها، بل وتحجرها. saad.alhabshi@admedia.ae