ردّت على موظف الجمارك الروح حينها، ويبدو أنه لم يصادف في يومه ذاك غير الملتزمين، والمنضبطين، وأمامه كما يعتقد صيد ثمين، خاصة وأن حقيبتي التي تشبه «مندوس العياييز» وجد فيها عملات قديمة، وأخرى بائرة، وأخرى مقطوعة من الأسواق منذ أجل طويل، وهي أقرب لدكان صرافة صغير يعترض طريق المسافرين، فكانت أول أسئلته ماذا تعمل؟ فقلت: «أعمل بالنقد الأدبي، وليس بالنقد الأجنبي»، فتراجع خطوة للوراء ليزيد من تمعنه في تلك المبالغ المختلفة الألوان والأرقام التي أمامه، فقلت له: أرجوك لا تظن، ولو للحظة أنني أعمل في التهريب، أما أوراق النقود القديمة فهي من بلدان متعددة لهواية كنت أعشقها، وتنازلت عنها، وعن مدخراتي من أموالها البائرة لبنت أختي، وها.. أنا ما زلت أجمع، وأجمّع لها ما تطاله يداي من مدن العالم، وكدت أبوح له عن ظرف على حَطّة اليد، جاءني «شرهة»، فقلت: «والله النشبة.. إن فتحت هذا الموضوع»، خاصة وأنه مندهش من كل هذا النقد في السفر، وفي هذه الشنطة، فحرت كيف لي أن أفسر له الأمر، بأن لدي فوضى جميلة، وأنني أعرف أنتقي كل شيء من خلال تلك الفوضى، لذا أحياناً أضع شيئاً فأنساه، حتى أتذكره، فأعرف مكانه من الذاكرة بسهولة، فقال: عليك التصريح بتلك المبالغ إن زادت عن الحد المسموح حين وصولك، وخروجك، فهنا قوانين ملزمة على المواطن والمقيم والزائر، فشعرت أنه سيتجه لاتهامي بتمويل الإرهاب، وبعض خلاياه النائمة في أوروبا، فقلت لأبعد عني تلك التهمة التي يفرح الأوروبيون بإلقاء القبض على مرتكبها، وناويها، والحالم بها، والحامل لها، والمحمولة إليه، فقفزت لذهني فكرة الاعتراف له بأنني أتعاطى الميسر، وأنني مغرم بلعب القمار، ومن عشاق الكازينوهات، وطاولاتها الخضراء الليلية، فيتشتت ذهنه، ويذهب بعيداً، لا عميقاً في الأمور، وبعد أخذ ورد، وتأكيده عليّ أنني حر في الإجابة، والرفض، ولي مطلق الحرية في الصمت، وانتداب محام إذا ما شئت، أو يجلبون لي مترجماً إذا ما عجزت اللغة، فأيقنت حينها أن المسألة ستطول، وستضيع عليّ ساعات، وهكذا كان، فقد أعدوا أوراقاً، وتواقيع، وسؤال، وجواب، وقرروا أن يصادروا مبلغ خمسة آلاف يورو، نتيجة حسبة خاصة، لم أدركها، ولا كنت أنوي أن أسأل عنها، بعد أن اعتذروا عن تأخيري، وتغريمي، لكنهم يتبعون القوانين، رغم تعاطفهم معي، ومع نواياي الحسنة، فخرجت وحقيبتي خاوي الوفاض من خمسة آلاف يورو، غرمتها من كيسي!