في أمثالنا الشعبية، كثيراً ما تعبر الكلمات عن المعنى والمراد بكل دقة ومصداقية، ولأنهم أصحاب تجارب طويلة وخبروا الحياة بحلوها ومرها، فهم أناس لا تذهب تجاربهم وأقوالهم بعيداً عن ما يقصدون ويعرفون، وأقوالهم وكلماتهم، مسمار في لوح، أي صادقة ولا تحيد عن المراد من المثل، فعندما يقولون مثلاً: «إن الشهوات تؤدي /‏‏ توصل إلى العثرات»، فإن هذا القول دائماً ما يصدق ولا يخيب أبداً. بالأمس أعجبت بفكرة وجود شواية للسمك في سوق السمك نفسه، وخطر لي أن أجرب ذلك لسهولة الأمر، فكل ما هو مطلوب منك اختيار ما تود من سمك والبائع يحمله إلى صاحب الشواية المجاور له، ثم تأتي في الوقت الذي تحدده لتحمل ما اخترت محفوظاً في علبة شبيهة بعلبة البيتزا أو الكنتاكي، قلت: لأجرب وأريح الخادمة من الشواء، خاصة أن الحرارة لا تطاق أبداً. عند الساعة الثانية ظهراً قررت العودة لإحضار ما طلبت بعد أن وعدت من في المنزل بتجربة جديدة في عالم الشواء، لم أجد السيارة، فقد أخذها أحد الأبناء وذهب إلى أبوظبي، وبقية أفراد الأسرة بعيدون أو مشغولون في عمل لا يمكنهم من الحضور. لم تبق غير سيارة الأجرة، ولكن الحرارة شديدة في الخارج، ترددت قليلاً ثم خرجت لأستقل سيارة أجرة.. وكأن الظروف مجتمعة تريد تأديبي على هذه الفكرة. انعدمت سيارات الأجرة من المرور ربما بفعل الحرارة وقت الظهيرة، تصببت عرقاً كثيراً وانتابني اليأس والتعب، وقررت أن أعود إلى المنزل وأترك السمك وفكرتي التي جرتني إلى هذه العثرة المتعبة، وعندها ظهرت سيارة أجرة. أسرعت إليها لأحتمي من حرارة الشمس وأجفف عرقي، تعجب صاحب سيارة الأجرة كيف لا توجد معي سيارة، ولماذا أنت تذهب وليس ابنك؟ لم يسكت السائق طوال الطريق، وتذكرت قول أهلنا الكرام وصدق ما تركوه: «إن الشهوات تورث العثرات»، دفعت ثمن الأجرة ذهاباً وعودة، وضحكت على نفسي وتحسرت على تلك الفكرة الرديئة التي دهمت رأسي، بل زاد على ذلك الأمر، أمر آخر لم يجلس على سفرة الغداء غيري وأم حمد، وحدهن الشغالات الفلبينيات في الفريج سعدن بكمية السمك المشوي. قلت في نفسي تلك تجربة خاسرة وفاشلة، ولا يمكن أن أكررها أبداً، والإنسان لا يلدغ من الجحر مرتين.