الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دوناتيلا بيزوتي.. الشعر مُنقذاً للحياة

دوناتيلا بيزوتي.. الشعر مُنقذاً للحياة
26 مارس 2014 19:48
كعادته كل سنة، احتفل بيت الشعر في المغرب باليوم العالمي للشعر، وتم تنظيم عدد من اللقاءات والقراءات الشعرية في عدد من المدن المغربية، كما تمت تلاوة الورقة التي كتبتها الشاعرة الإيطالية دوناتيلا بيزوتي بطلب من بيت الشعر في المغرب، وتمت قراءتها في المهرجان الدولي للشعر بمدينة كومو الإيطالية، ونشرت في عدد من الصحف الإيطالية. «الاتحاد» حصلت على نسخة من الورقة القيمة التي قام بترجمتها عن اللغة الإيطالية الرداد الشراطي. تقول الشاعرة الإيطالية دوناتيلا بيزوتي: هل يستطيع الشعر أن ينقذ الحياة؟ سؤال يتردد صداه في كتاب لي كنت قد عنونته بـ: «الشعر منقذا للحياة» إقرارا لحقيقة أومن بها بإصرار، وهي خصيصة الشعر الإعجازية. أجل، تلك الحقيقة ممكنة شريطة أن نستحضر أن الشعر بهذا المعنى شيء يسكن دواخلنا، إنه جزء منا، يلازمنا منذ البداية، منذ ولادتنا باعتباره إمكاناً فطرياً لمقاربة حقيقة تختلف في عمقها عما نتعلمه في مسار تقويم سلوك تربوي معوجّ. فالشعر يضعنا أمام ذاك السر الخارق الذي كتب عنه كثيراً الفيلسوف الروماني (لوسيان بلاغا Lucian Blaga)، يضعنا أمام دلالة الواقع العميقة، مانحاً معنى للتقاطع المبهم الدائم بين الموت والحياة. الشعر هو الجزء «الخارق» فينا الذي يتوجب علينا اكتشافه أواستعجال اكتشافه اليوم لمقاومة ترسبات انكسارات اليومي. قد يحدث أن يتلاشى شعاع الشعر ومع ذلك نعيشه دون وعي. رؤية معتلّة في كثير من الأماكن، خاصة في المجتمعات الغربية، يظهر أن العالم اليوم فقد مفتاحه السحري، إذ استبدل به بطاقة مغناطيسية يفتح بها مراكز تجارية ومحلات الموضة ومراكز اللياقة الجسدية، ويلج بها عوالم افتراضية: بطاقة الرخاء والرفاهية والقوة. إن رؤية العالم المعتلة والمزيفة تلك تم نقلها إلى مناطق كثيرة من أنحاء المعمورة. رؤية لم تكتف بتلويث ثقافات عريقة بل سعت إلى تدميرها. إنها شكل استعماري جديد، خفي وأكثر خداعا مما كان في الماضي، وهي تستند في نجاحها إلى السلّم المالي الدولي لاستغلال الشعوب والبلدان. ينبغي ألا نعتبر الشعر بلسما لنفوس مجروحة، أو مهدئا أو مخدرا. ليست رسالة الشعر تهدئتنا أو حملنا إلى عوالم افتراضية. ليس الشعر هروبا أو حلما. إذا كنا نسعى إلى الهروب والانتشاء، سنجد حولنا ملاذات كثيرة لكنها خادعة. الشعر يتطلب منا وعيا أكثر. الشعر يحفزنا ويحثنا على ألا نقف عند سطح الأشياء ومظاهرها لأن الحقيقة المثلى توجد ما وراء ذلك. كثيرون يبحثون دون جدوى عن بدائل لسعادة يستعصي إدراكها فينتهون إلى الإخفاق. كثيرون يعيشون في تنافر عبر مجازفة تقودهم إلى الانفصال عن إيقاعات أبدية وعميقة كفيلة بأن تحول حياتهم إلى لحن عذب. كثيرون يتملكهم الفزع حين يشعرون بأن الحياة والعالم بلا معنى ولا مركز. طاقة الشعر للشعر قدرة على حملنا إلى مركز فقدناه، فهو ما يصلنا بالجزء العميق فينا حيث يمكننا أن نعثر على الخيط الذي يربط الإنسان بالكون المحيط به. وبالنزول إلى هذا العمق، سيكون بمقدورنا أن نكتشف قدراتنا التي تتجاوز منطق فكرنا لتلامس الخيال والحدس الإبداعي. إن وجود مركز داخلي يقترن فيه أضعف إنسان بالشسوع هو ما أشار إليه هوميروس عندما عرَّف أوميوس بوصفه «إلهياً».ِ أنه الوجود الذي نغدو فيه نحن أيضا، «إلهيين» في دواخلنا. والاتصال بهذه الصفة الإلهية هو ما نحتاجه تحديداً. علينا أن نتخلى عن النزعة النفعية التي لا تسعى إلا إلى السيطرة على العالم وذلك بالعلم والتكنولوجيا والهيمنة على الخيرات. للرخاء أهميته، لكنه إن غدا الهدف الوحيد والمهيمن، سيقودنا لا محالة إلى العبث، إلى الجدب الروحي، إلى العدوانية والتدمير على نحو شبيه بانتشاء وهمي ومثير للخدر. ينهل الشعر من التقاليد الأصيلة والعريقة للغة تجمع كلماتها بين الدلالة والإحساس، لغة لا تروم الانفصال بقدر ما تسعى إلى إعادة بناء عالمنا السيكولوجي بكامله، لغة تقودنا إلى وحدة تذكر بأن الإنسان فرح وألم، فكر وإحساس يتغذى دوماً على انسجام خارق. الشعر يعلمنا هذا الانسجام لنمارسه. الشعر يضع الحكمة مكان العلم. من هذا المنظور، أظن أن الشعر قادر على إنقاذ حياتنا بوضعه حدا للغريزة العمياء والبائسة لهروب ناتج عن الانفصال والاغتراب، وعن إخفاقنا في خلق انسجام بين حاجات الجسد والفكر. وبسعي الشعر دوماً إلى مقاربة الحقيقة، يمنحنا مفتاحا به نكتشف في الإنسان بعد السمو الذي عرفه القدماء، وهو السمو الذي ما فتئت تحط من قيمته حياتنا المعاصرة. صديقاتي، أصدقائي، شاعرات وشعراء المغرب، أرض الشعر التي أحببتها، لنجعل من الشعر رسالة ننزل بها إلى العميق فينا لننصت للمعنى ونصونه في مواجهة انكسارات اليومي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©