السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

شكسبير يحضر في الأيام بعباءة عربية

شكسبير يحضر في الأيام بعباءة عربية
25 مارس 2014 23:57
محمود عبدالله (الشارقة) ـ كتب وليام شكسبير (1564 ـ 1616) رائعته التراجيدية القصيرة «مكبث» في الفترة ما بين 1603 و1606، عن الفساد والصراعات السياسية الدموية للوصول إلى عرش أسكتلندا، وبنى ثيمته هذه على نبوءة لثلاث ساحرات أبلغن القائد الأسكتلندي «مكبث» بأنه سيكون الملك القادم، مصوّراً بدقة مشاعر زوجته «الليدي مكبث» نحو عشق السلطة: (هيا يا مكبث امسك باللحظة)، وسرعان ما تتفق معه على نيل الكرسي والتاج وركوب حصان الدّم، فيغتال الملك دنكن الذي ما أساء إليه يوماً، ويعتلي عرشه، ومن بعده يغتال معارضه صديقه بانكو، بعد ذلك تعود إليه أشباحهم تمزقه من الدّاخل، وتمتد دائرة الانتقام، بعد أن أمعن مكبث في قتل كل من اعتقد أنه يقف حائلاً بينه وبين التّاج، وغرقت البلاد في بحر من الدّم، حتى أننا نستمع إلى الليدي مكبث وهي تردد: «من كان يظن أن هذا العرش فيه كل هذا الدّم الكثير»، لتتماهى المقولة ساطعة قوية في النص الشكسبيري مع ترديد الساحرات: (الدّماء تخلّف دماء)، والتي أصبحت لازمة مسرحية في النص الجديد الذي اقتبسه أحمد الماجد بذات الاسم «الدّم يطلب الدّم»، بتوقيع المخرج إبراهيم سالم ضمن المسابقة الرسمية في أيام الشارقة المسرحية الرابعة والعشرين، وعرض على خشبة معهد الشارقة للفنون المسرحية. في الواقع اقتحام أحمد الماجد لعوالم شكسبير، كان موفقاً وواعياً بفضل مخيلته الواسعة، واشتغاله على البعد السيكولوجي للشخصيات التسع التي اختصرها من أصل سبع وثلاثين، من بينها ثلاث ساحرات أصبحن مركز الثقل، والقوة المحرّكة للفعل الدرامي المتنامي بسرعة فائقة، وربما يكون مشهد احتلال الساحرات لكرسي العرش، وهن يرددن لازمتهن المسرحية: (الجميل هو الدميم، والدميم هو الجميل) تحت إضاءة ابتكارية مركبة، من أروع المشاهد وأكثرها إحكاماً في تصوير العنف وانتصار الشّر في عالم المتناقضات. حافظ أحمد الماجد على الحالة الشكسبيرية دون إخلال، ولكنه أضاف الكثير لإثراء هذه الحالة، مثل إدخاله لجملة من النصوص الشعرية، ومشاهد جديدة، تسقط على قضية الهمّ العربي، وجريمة هدر الدّم والقتل اليومي المجاني في الشارع العربي من أجل الكرسي والسلطة. وكنت أخشى قبل دخولي العرض الذي استقطب حشداً ضخماً من الجمهور، أن يقع أحمد الماجد، وإبراهيم سالم في فخ شكسبير الذي اصطاد عشرات الكتاب والمخرجين، وأن يكونا ضحيتين له، فوجدت العكس، بعد أن نجح المقتبس في مواكبة النص الأصلي لغوياً، ومحافظته على روح الفكرة، وعصرنتها بوعي شديد، فجاءت معظم إضافاته من مشاهد، وبخاصة أجواء الساحرات بإيقاعهن اللاهث، مقنعة ومبررة درامياً، حيث برزن لنا كقوة كبرى، متحكمة، إلى الحد الذي يجعلنا من خلال الشخصيات الرئيسية، أكثر إيماناً بالغيبيات، فيما وجدت أن إبراهيم سالم مخرجا طموحا ذكيا مغامرا، قدّم لنا عرضاً نظيفاً بسيطاً في اشتغالاته على الممثلين الشباب، وعلى أدوات المسرح الفقير في تجريبية استثنائية على كلاسيكية شكسبير، فالفضاء المسرح الخالي من فخامة المشهد الشكسبيري، لم يكن سوى ساحة لحركة الممثلين الذين تركوا بصمتهم واضحة على الخشبة في التشكيلات الثنائية البارعة بين الليدي مكبث (رشا العبيدي) ومكبث (سعيد الزعابي)، واعتماده بشكل مباشر على جماليات التشكيل والحركة وتصميم المنظر بعناية، وحضور الجسد والصوت على الخشبة، وما تصميمه لمشهد رقصة الساحرات، استعداداً لتتويج مكبث ملكاً، وبكل ما يحمله من رشاقة الحركة، وجمال التعبير الجسدي، واستثماراً أمثل للموسيقى الموحية (ميرزا المازم)، وكذلك اجتهاده في استثمار المحتوى التقني للمشهد الشكسبيري، مثل مشهد المبارزة بين مكبث وبانكو، والمفترض أنه يمثل مبارزة بالسيوف، التي استعاض عنها بتحايل طريف بالأيدي التي أصبحت سيوفاً، وتم تصميم المشهد بعناية وتعبيرية واضحة لتطوير تقنية الممثل، إلا تأكيداً على موهبته وتجاوزه للتقليدي السائد في التعامل مع هذا النوع من الكلاسيكيات، بحيث كان ممكناً تسمية العرض الجديد بـ(الساحرات). يقول المخرج في منشور المسرحية: (لا أجرؤ على القول إنني أقدم مكبث جديداً)، لكننا نقول إنه نجح في كسر القاعدة، بعد أن قدّم لنا رؤية واعية لمكبث عربي، يسعى إلى هدر مزيد من الدّم. وإذا تحدثنا عن التمثيل سنجد أن رشا العبيدي تتصدر المشهد، بدور الليدي مكبث، ممثلة حقيقية، راسخة على الخشبة. وننوه بجماليات الأداء الرفيع لدى الساحرات (هيفاء العلي، باسل التميمي، خليفة البحري)، الذي صنعته ثنائية المقتبس أحمد الماجد، والمخرج إبراهيم سالم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©