طلبت مني صديقة أن أشاهد على اليوتيوب مقابلة معها في إحدى محطات التلفزيون. فسألتها: وهل دفعت لك مكافأة؟ قالت: لا..لكن لماذا تسألين؟ قلت لأنك اجتزأت وقتاً من راحتك أو عملك. وقدمت معرفة هي بعض ثقافتك التي اكتسبتها عبر سنين التحصيل والدراسة، ومن حقك أن تنالي ولو القليل من التقدير المادي. نظرت إليَّ بشيء من الدهشة وقالت: لكني أذكر أنك قلت لي إن نفس المحطة أجرت معك تلك المقابلة التي شاهدتها أيضاً على اليوتيوب، فهل دفعوا لك مكافأة؟ قلت: لا.. ويؤسفني أنني لم أطالبهم..لأننا تربينا على الخجل من المطالبة بالمادة حتى لو أنها حق لنا! وأنا هنا أطرح سؤالاً موجهاً إلى كل أجهزة الإعلام الخاصة والعامة، المقروءة والمسموعة والمرئية- في هذا الوطن العربي المبتلى إنسانه المبدع بالغياب- لماذا يجلس الإعلامي وراء مكتبه الوظيفي ويقرر استنطاق المثقف حول استطلاع أو تحقيق، يملأ به صفحات الصحيفة، أو برنامج الإذاعة أو محطات البث الفضائي، أو المحلي دون أن يدرك أن المثقف الذي أدلى بمعرفته، كان قد دفع ثمنها من عرقه وجهد فكره، وصحة بدنه، وزمن عمره. وقدم إنتاجاً ذا قيمة أدبية ومادية. فإذا كانت القيمة الأدبية يدفعها القارئ للمثقف، فإن القيمة المادية حق للمثقف على الجهاز الإعلامي الذي اشترى منه المعرفة ليبيعها بدوره للقارئ. أليس الإعلام وأدواته سلعة تباع وتشترى؟ هل يحصل الإنسان على قنوات الثقافة كلها دون ثمن نقدي صرف؟ هل توزع الصحف على الناس مجاناً؟ هل تبث الفضائيات والمحليات برامجها على الناس مجاناً؟ ألا يدفع الناس قيمة الأجهزة الموصلة للمعلومات وللثقافة؟ ألا تقبض أجهزة الإعلام أثماناً باهظة على نشرها للإعلانات مرئية ومسموعة ومقروءة؟ والمعلن إذ يدفع الثمن للوسيلة الإعلامية، ألا يقبضه مضاعفاً من المستهلك الذي أغراه الإعلان؟ إذن، أليست المعرفة كلها - وفي هذا العصر تحديداً- سوق بيع وشراء؟ لماذا حين يعبئ المثقف صفحات الصحف بنتاجه الثقافي والمعرفي، ويحاضر في الندوات التي تنشط بها جميع المؤسسات الرسمية والأهلية، ويدلي بآرائه أمام المحطات الفضائية، لماذا ينبغي لكل هذا العطاء الذي يقتطفه من جهده، وفكره، وثقافته، أن يكون متطوعاً ومجانياً، لا حق له، ولا جزاء، ولا قيمة مادية؟ هل تعتقد أجهزة الإعلام أنها بذلك تمنّ على المثقف بالشهرة؟ وهل تشتري الشهرة رغيفاً أو دفتراً للمدرسة؟ أم أن هذا التجاهل مقصود يراد به تفريغ المثقف من جدوى الإبداع والثقافة التي لا تدر أرباحاً، ودفعه إلى تروس الوظائف التي تستهلك وقته وطاقة إبداعه؟ حمدة خميس