في السفر كما في بلدك وداخل بيتك، فإن القاعدة الذهبية تقول إن الأدب والتربية واللباقة وحسن التصرف والاحترام يتعلمها الإنسان من أسرته أولًا وعلى أيدي المربين الأوائل: الوالدان، فإذا لم نتلق أبجديات أدب التعامل والذوق والسلوك من المنبع الأول: الأسرة، فالنتيجة ستكون حتماً فرداً غير سوي سلوكياً، صورته مشوهة أمام الآخرين فإذا تكرر ذلك من أفراد آخرين تحول الأمر إلى ظاهرة وانسحب ليكوّن صورة نمطية لشعب وأمة بأكملها وتحديداً حين ينقل هذا الإنسان غير المهذب سلوكه معه للخارج، فيتحول إلى أسوأ ممثل أو نموذج لأبناء أمته أو شعبه، وهذا ما يحصل اليوم فيما يخص سلوكيات بعض السياح الخليجيين في بعض دول أوروبا إلى درجة المطالبة بالحد من قدومهم لهذه الدول. القضية ليس فيها مبالغة وأن من يسافر في أشهر الصيف الحارقة حيث تنتعش السياحة بسبب هذه الحرارة وبسبب موسم إجازات المدارس يعرف مدى الإرباك الذي تسببه بعض الجنسيات الخليجية لأبناء جلدتهم بسبب مسلكيات مخجلة بالفعل، من حيث لا مبالاتهم بالممتلكات العامة بدءا بالفندق وانتهاء بمحتويات المحل الذي يدخلونه، وتركيز جل اهتمامهم في البحث عن المطاعم وكأنهم قادمون من بلدان مجاعة لا من دول رفاهية وثراء، وجعل أماكن الألعاب هي الجوهر والمعنى الحقيقي للسفر بحجة إسعاد الأبناء، مع أن هؤلاء الأطفال يتوجب تعليمهم ثقافة السياحة منذ نعومة أظفارهم التي لا تحصر السفر في محلات اللعب ومطاعم الوجبات السريعة فقط بل تتسع لتشمل قائمة لا حصر لها من الخبرات والأمكنة والمعالم التي يوفرها السفر للإنسان من أجل تنمية مداركهم ومعارفهم ! يقول أحد الشباب الخليجيين إن إتاحة السفر للجميع بسبب الوفرة المادية وانتقال مفهوم السفر من سلوك خاص بالأغنياء ونخبة المجتمع إلى حق متاح للفقراء كما للأغنياء ولمن يتحلى بحسن الخلق والذوق والتربية كما لمن لا يملك سوى من الذوق والأخلاق أي شيء، وعليه يذهب هذا وذاك إلى الغرب ويختلط الجيد بالسيئ ويطغى السلوك الفج والمسيء وينتشر إعلامياً تحت عنوان مسيء يعمم على جميع الخليجيين أو جميع العرب ! بعضنا - وأنا أعرف كثيرين - صاروا يفكرون بالهروب وتحاشي أي مكان سياحي في أوروبا يزدحم بالخليجيين، كما يسأل البعض وكيل سفره بلا تردد «اريدك أن تبحث لي عن مكان جميل وجديد لا يذهب إليه الخليجيون» !! إن انخفاض منسوب التربية لدى البعض، والتعالي بسبب وفرة المال، والتركيبة العائلية التي تعني كثرة الأبناء وترك أمر تربيتهم وتوجيههم للخادمات المصاحبات لكثير من الأسر في السفر، مع شعور الآباء والأمهات بالتحرر والخلاص من الرقابة الاجتماعية كل ذلك يخلق هذه السلوكيات التي بدأت تشكل ظاهرة خليجية وعربية منفرة وتحتاج إلى وقفة صارمة من الجميع !