الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دراستي عسكرية وبدايتي مع التاريخ والتراث لم تكن متوقعة

دراستي عسكرية وبدايتي مع التاريخ والتراث لم تكن متوقعة
25 مارس 2014 10:18
لكبيرة التونسي (أبوظبي) - أعرب الدكتور فالح حنظل أحد كبار المؤرخين في الإمارات، عن بالغ سعادته لحصوله مؤخراً على جائزة أبوظبي تحت رعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وشهدها في دورتها السابعة سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي لتكريم الشخصيات المميزة، التي قدمت أعمالاً جليلة في مجتمع أبوظبي، ووصفها بأنها «جائزة حياته»، وأنها كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة له، ولم يعرف بها إلا في الأيام القليلة التي سبقت الاحتفال. وأشار إلى أن بدايته مع التأريخ والتراث لم تكن متوقعة، خاصة أن دراسته كانت عسكرية، إذ جاء للإمارات مديراً لشركة حفر آبار مياه عذبة، ولفت المؤرخ فالح حنظل الذي يغني خزانة المؤلفات في الإمارات بنحو 40 كتاباً ما بين منشور وغير منشور، وما بين معاجم وكتب ودواوين وبحوث وتحقيق كتب، تتصل في معظمها بتاريخ وتراث الإمارات، إلى أنه لم يزل يطمح بالمزيد، أنه يعمل الآن على كتاب «الشيخ زايد بن خليفة حاكم أبوظبي من سنة 1855 إلى سنة 1909»، موضحاً أن الكتاب دراسة سياسية اجتماعية، اقتصادية وأدبية، تغطي نصف قرن من تاريخ الحكم في إمارة أبوظبي والعلاقات على المستوى الداخلي والخارجي، إلى جانب كتاب «جامع الأمثال والحكم والكنايات عند أهل الإمارات» الذي سيصدر قريباً، بالإضافة إلى إعادة طباعة كتاب «رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى حكام الخليج العربي»، بجانب كتب أخرى. حنظل الملقب بالموسوعة الجامعة عن تاريخ وتراث الإمارات قال لـ «الاتحاد» عقب تكريمه بجائزة أبوظبي إنه شعر بفخر لن ينقض، وإنه كان متأكداً من فوزه بإحدى الجوائز، لكن وقْع جائزة أبوظبي كان كبيراً على نفسه، وقال إنها تكريم لحياته ومسيرته، وأضاف: «لم يكن هناك شك أنني سأستلم جائزة ما، خاصة أنني ألفت 40 كتاباً ما بين منشور وغير منشور، وشعوري أنه مرحب بي كثيراً من طرف أهل الإمارات، فإن ذلك كان يزيدني فخراً، وكتبي جعلت لي جمهورا، وأشعر بذلك وأنا في الأماكن العامة، حيث يلتفت إلي الناس وأتلقى تحيتهم، وهذا يمنحني إحساسا بالفخر والسعادة». عن سر الإقبال على مؤلفاته، تابع: «أتحدث في كتبي عن تاريخ الإمارات بطريقة سهلة بدل التحدث باللغة التاريخية المعقدة، مما جعل لي جمهورا كبيرا، يمنحني شعوراً بأن أعمالي أصبحت رائعة، مجدداً تأكيده أنه توقع الحصول على الجائزة إيماناً بأن الإمارات حباها الله بقيادات تقدر العلم والثقافة وتقدر أصحاب الدراسات التي تمس التاريخ وتراث الإمارات وأي متصفح لأي جريدة يجد التكريمات يومياً على صفحاتها، لذا كان عندي شعور أن شيئا كهذا سيحدث، لكن هذه الجائزة بالذات كان توقيتها مفاجأة لأنه يبدو أن هذا الأسلوب متبع بها، ولا يعلم المكرم إلا في الأيام الأخيرة بتكريمه، فركز البعض على ابنتي رشا ومعارفي الكثيرين، ونقل عنهم معلومات لعرضها يوم الجائزة على شكل فيديو، وقبل أسبوع من التكريم وصلتني البطاقة وقالت لي ابنتي بعد تلقيها دعوات الحضور لحفل التكريم: «هذا ما كنا نخفيه عنك وما كنا ننتظره». الحقيقة كان وقعها عظيماً على أسرتي وعلى زوجتي، إذ كان بمثابة الأم التي وكأنها تنتظر مولوداً ولما جاء المولود فرحت به، وكالمريض الذي ينتظر الشفاء، وجاءت الجائزة تقديرا للعقل من أناس أصحاب عقل، هكذا يصف الدكتور فالح تكريمه، معرباً عن تقديره عن اليد الكريمة التي علقت الوسام على صدره، سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني الذي شهد حفل جائزة أبوظبي، واليد الكريمة التي صافحته وهمست في أذنه، «إنك بمثابة الوالد»، وهذا ما قاله له الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وقال عن سماعه هذه المقولة: اهتز لها كياني، وشعرت بفخر لن ينقض. التقاط الكلام وأضاف الدكتور حنظل: جعلتني حياة الصحراء ألتقي بأهل البلاد، وكان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إذا مر عليهم كعادة البدو يصدحون بقصيدة، ويلقونها في حضرته، فطلب مني رجل بدوي كان اسمه «ثايب» أن أكتب له قصيدة حتى يقدمها للشيخ زايد رحمه الله، فتلا عليّ واحدة بلهجة أبوظبي، فكنت أنا أول شخص يسأله عن المفردات العامية، وجاءت بعد ذلك قصيدة ثانية وثالثة ورابعة، ثم شعراء آخرون، وأصبحت الفترات المسائية أقضيها في التنقل بين البدو الذين كانوا يعيشون حول آبار المياه، التي كان من بينها: «بئر هزاع البوش»، ويقع بين أبوظبي والعين، و«بئر بوذيب»، و«بئر العانكة» و«بئر وجه أرنب»، وغدت أمسياتي مع هؤلاء القوم وصرت أكتب الشعر في وريقات، وفي أخرى أكتب ما غمض من الكلمات، وبذلك أصبح لدي حصيلة لغوية، وحيث إنني لم أدرس اللغة العربية إذ تخرجت في الكلية العسكرية بالعراق، ودرست في أميركا الإدارة الصناعية، ولم تكن دراستي تتعدى قراءة الصحف، فإنني جمعتها واحتفظت بها، وعندما انتهت مهمة الحفر وضعت الأوراق في صندوق وانتقلت للعمل في مجال النفط بالشركة التي تجهز الحفارات البحرية بالمواد، فكنت إذا ذهبت إلى الحفارة التي كان الناس يذهبون لها بالهليكوبتر، أجلس مع البضائع في السفن الشراعية. لغة أهل البحر وتابع: صرت أتحدث مع ربان كل سفينة وملاحيها، وهناك اكتشفت أن هناك لغة أخرى وهي لغة أهل البحر، لغة عالم الغوص، ذلك التراث العظيم الذي اندثر وبقيت المفردات في أفواه البعض، فتفتق ذهني لأدرجها كلغة أهل البر وأصبحت لدي لغتان: «لغتا أهل البادية وأهل البحر»، ومن دون أن أدري أصبحت أتمعن في هذه الكلمات وصرت أقول هل هي من فصاحة اللغة العربية؟ وتساءلت: «ماذا أفعل وأنا لست متخصصا في لغتنا الأم، فاشتريت معاجم في هذه اللغة مثل «لسان العرب» وسرت أقارن بين ما ورد عندي من كلمات وما هو موجود في المعاجم، فاكتشفت أن لغة أهل البر والصحراء من فصيح اللغة العربية، حيث يستخدمون ألفاظاً لا يعرفها أهل الحضارة، لأن اللغة العربية هي لغة الصحراء التي بقيت في الأفواه وكما قالت الأعراب «أفصح العربي أبرهم» أي كلما بقوا في البر كلما حافظوا على اللغة، أما لغة أهل البحر، فمزيج من الفارسية والهندية الكثيرة، ولما قرأت المعاجم وقارنت وأخذ الموضوع مني سنة أو أكثر، وراودتني فكرة الكتابة، خاصة أنني استفدت من المعاجم، وقومت لساني وأكثرت من دراسة القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف ثم كتب الإعراب من البسيط إلى العالي، وأصبحت أكتب وأقارن، واستمر ذلك سنتان في العمل الجاد، فاكتسبت من ذلك الكثير من علوم اللغة، وإذا بي أجد نفسي بين مئات الأوراق المرتبة حسب الألف باء. .. ونلتقي في حلقة الغد مع دومينيك فوجرينيك أمران غيرا مجرى حياة حنظل قال الدكتور فالح حنظل: تعرضت لأمرين خلال حفر الآبار غيرا حياتي، حيث سنحت لي الفرصة التقاء المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، ففي يوم فوجئنا بسيارة نزل منها الشيخ زايد رحمه الله، وعلى طريقته والعصا بيده في مشهد عنوانه الرجولة والقيادة والشجاعة والبساطة سلم علينا. وقال: «كيف الحفر؟»، وتساءل عن توقيت صعود المياه إلى البئر وقال: «متى سنرى الماء ينبعث من البئر» فأجبته رحمه الله: «بزيارتكم القادمة سترون الماء فيه»، ولم ينقض يومان حتى زارنا للمرة الثانية وكان قد ظهر الماء بالفعل، وأذكر جيداً أن المغفور له الشيخ زايد غرف الماء وشرب منه وقال إنه عذب. وقال: «يجب أن يشرب منه كل البدو» وعليه قمنا بعملية ضغط المياه وأصبحت تخرج على شكل نافورة وارتفعت بحوالي 20 قدماً، وعليه أصبحت معلماً من معالم الخزنة، وكانت هذه البئر الأولى التي قمنا بحفرها، وأصبحت السيارات المارة من المكان تقف عندنا، وكذلك الإبل الراعية، كما توقفت القوافل الآتية من بعيد لترتوي وتروي جمالها، وتشجعنا لحفر آبار أخرى، ووفق تجربتي فإن المياه موجودة في جوف أرض أبوظبي، بحيث تأتي بعد حفر 20 قدماً فقط». مسيرة من العراق إلى الإمارات ولد الدكتور فالح حنظل في بغداد، وجاءت نشأته عسكرية، وبدأ حياته العملية ضابطاً في الجيش العراقي، وكان من رجال الحرس الملكي عندما قامت ثورة الرابع من يوليو عام 1958، وأطاحت الملكية في العراق، فترك الجيش على إثرها، ثم أنهى دراسته العليا في الإدارة الصناعية من جامعة سيراكيوز في الولايات المتحدة الأميركية، وبعدها جاء إلى الإمارات وبدأ مسيرته المهنية في التأريخ والكتابة والتوثيق. وقال عن ذلك: تعتبر هذه السنة الخامسة والأربعين التي أقيم فيها في الإمارات عندما هبطت على أرض أبوظبي، ولم يدر في خلدي أنني سأتبع نهجاً ثقافياً، لأنني جئت مديراً إدارياً لشركة أردنية تحفر آبار المياه بين العاصمة أبوظبي والعين، حيث كان العقد والهدف من القدوم إلى البلد هو حفر سبعين بئراً واتخذنا مقراً للعمل مجاوراً لمنطقة الخزنة في يومنا هذا، ويمكن القول إنه على امتداد المنطقة الصحراوية بين أبوظبي والعين، ولم تكن هناك وقتها إلا أشجار نخيل، لكن الله حبا الأرض بشجرة الغاف الكثيفة التي كانت المنطقة بجوارها مأوى للقوافل المتنقلة المارة بين أبوظبي والعين، وهكذا كان الوضع، أرضاً جرداء صحراوية ممتدة إلى أن تدخل إلى مدينة العين، حيث تبدأ تظهر أشجار النخيل. الأجيال السابقة قدمت أدباً مكتوباً وأقوالاً مروية مجالس الشعر النبطي منتديات ثقافية وفكرية أوضح المؤرخ الدكتور فالح حنظل الباحث والمهتم بتاريخ الإمارات، أن عمله جعله يلتقي بالشعر والشعراء ويؤرخ حديثهم، وأضاف: إن اهتمامي بالوقوف على النتاج الفكري للسلف السابق، إنما مبعثه الاهتمام بروحية الشعب وتجاربه، حيث قاد حنظل شغفه المعرفي بحضور مجالس الشعراء، خاصة أن المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، كان مهتما بالموضوع، وكان قد أمر بتأسيس هذه المجالس: «أمرنا المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بتأسيس هذه المجالس للشعر العامي التي كانت أول المنتديات الثقافية في الإمارات، وهناك التقيت بالصفوة الخيرة من الشعراء وكلهم انتقلوا لرحمة الله وأدين بالولاء والشكر إلى راشد بن سالم بن مسلم المنصوري وهو بدوي وفلكلوري، حيث كان يعلمني ويصحح ما ورد في المعجم، إلى جانب خميس بن محمد على المزروعي وناقشني فيما جمعت، بالإضافة لغيث بوجمهور القبيسي ومحمد بن تامر المنصوري، وهؤلاء الخيرين الذين التقيتهم قبل أربعين عاماً، كانوا أساتذتي الذين تعلمت منهم أصول قواعد اللهجة العامية، وأهم من ذلك أصول وقواعد الشعر النبطي. تاريخ ثقافي وقدم الدكتور حنظل خلال تاريخه إصدارات عديدة في التراث الثقافي الخاص بالإمارات، قال عنها «إن التاريخ الثقافي للإمارات يتمثل بالتراث الفكري، أي ما قدمته الأجيال السابقة من أدب مكتوب وأقوال مروي، وهو ما أثار اهتمامي منذ أربعين عاماً تقريباً، خلال إصداري الأول «معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية»، وهو بحث ميداني اعتمد على النقل الشفاهي والبحث العلمي، أعقبه إصدار أول ديوان شعر نبطي مشروح ثم تعاقبت المؤلفات والتحقيقات فبلغت العشرات». وكانت حصيلة هذا التماس وهذا الاحتكاك دواوين عدة قال عنها: كانت باكورة هذه المعارف إصدار خمسة دواوين شعر باللهجة العامية، وكانت الأولى من نوعها في الإمارات، حيث لم يسبق أن صدر كتاب في ذلك، وعندما نجح المشروع كان حافزا لي أن أقدم «المعجم»، وهكذا وفي سنة 1976 قدمت المعجم إلى عبدالله النويس، الذي كان يشغل منصب وكيل وزارة الإعلام آنذاك فقرأه وقرر أن يطبع المعجم وأوكل تحقيقه إلى باحث فاضل في اللغة العربية الذي أعاد الدراسة وربط الكثير مما فاتني من الكلمات بأصلها الفصيح، وفي سنة 1978 صدر معجم «الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية»، وكان ذلك منذ أكثر من 35 سنة، كنت أعمل ساعتها في مجال النفط، وقد صدر بعده معجمان من جذور معجم «الألفاظ الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية»، أي اعتمد الجذر اللغوي من معجمي. دراسات عديدة وتابع: على حد علمي أن أحد الأساتذة الأفاضل من أبناء الإمارات يكتب معجماً أيضاً، وقد صدرت دراسات عديدة وانتقادات بين رصينة وغير دقيقة للمعجم، وأخيرا تم تتويجه بجائزة أبوظبي، وبعد هذه الجائزة أستطيع أن أقدم ما بيدي الآن من كتب ومنها: «جامع الأمثال والحكم والكنايات عند أهل الإمارات»، وتتكلف هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بطباعته، إلى جانب كتاب «رسائل الرسول» «صلى الله عليه وسلم» إلى حكام الخليج العربي، بالإضافة إلى كتاب «الحوليات في تاريخ الإمارات»، وهو تحقيق لأول كتاب عن التاريخ بيد إماراتية ألف رحمه الله يوسف محمد الشريف المتوفي سنة 1917 والراحل سعيد غباش الذي أضاف له، وقبل سنتين وقع في يدي هذا الكتاب وقدمته إلى مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، وأتمنى أن يرى النور قريباً». وقال حنظل «إن البحث في الأمور التاريخية والتراثية يحتاج للمران العقلي ووضوح الفكرة عند الباحث الذي يتصدى لكتابة موضوع يصور التاريخ أو التراث.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©