السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التزامات الغرب تجاه أوكرانيا

التزامات الغرب تجاه أوكرانيا
23 مارس 2014 23:02
عندما يلتقي أوباما بحلفائه الأوروبيين خلال الأسبوع المقبل، عليهم التفكير في رد مناسب على مغامرات فلادمير بوتين في المنطقة وتوجهاته السياسية. وحرصاً على الاستراتيجية الجديدة التي سيبلورها الغرب، ينبغي أولاً أن تبديد مواقف بوتين القائمة على مجموعة من الأوهام الخطيرة، فقد سبق لوينستون تشيرشل أن قال عن روسيا إنها أحجية يلفها الغموض وتغلفها الألغاز، وهو ما لم يتغير كثيراً تحت رئاسة بوتين، حيث تحول خطابه إلى وهم كبير مكلل بالخديعة ضمن نسيج من الأكاذيب. فخلافاً لما يروجه بوتين، تحظى الحكومة المؤقتة في كييف بتمثيلية واسعة، ولم يعثر أحد من المراقبين الخارجيين على شبهة واحدة تدل على توجهها المعادي للروس، أو رغبتها في استخدام العنف ضدهم، كما أن أكبر كارثة في القرن العشرين لم تكن، على غرار ما يقول بوتين، انهيار الاتحاد السوفييتي، بل كانت في البداية حرباً عالمية أولى جاءت نتيجة لغياب القيادة في أوروبا وانعدام الأولويات الواضحة، ثم أعقبتها كارثة أخرى هي الحرب العالمية الثانية التي انطلقت عندما استُغلت الأحقاد العرقية في أوروبا كذريعة للسيطرة وبسط النفوذ، وأخيراً حلت الكارثة الثالثة التي لم تكن سوى ظهور نظام شمولي قمع شعبه وهيمن على جيرانه متمثلا في الاتحاد السوفييتي. وإذا كانت الكارثة الأولى ناجمة عن سوء فهم، فإن الثانية كانت بسبب الأكاذيب، فيما تسببت في الثالثة غطرسة القوة التي مارسها المعسكر الشرقي. وفي حين ساد اعتقاد بعد تداعي الاتحاد السوفييتي أن أوروبا ستعيش حرة وموحدة وستكون روسيا جزءاً منها، جاء بوتين ليعيد إلى الأذهان الحرب الباردة. فبالنسبة لبوتين عاشت روسيا على مدى عشرين عاماً بعد اختفاء الاتحاد السوفييتي في ظل المهانة، إذ باتت غير قادرة على ممارسة القوة، أو منع الآخرين من الزحف على حدودها، وبدلا من التركيز على رواية تحقيق روسيا لإمكاناتها ضمن أوروبا موحدة، تحدث بوتين أمام الروس عن مظلومية بلادهم وتعرضها للإهانة على أيدي أعدائها، والحال أن روسيا اليوم هي أكثر ازدهاراً مما كانت عليه أيام الاتحاد السوفييتي، كما أن شعبها يستفيد أكثر من انخراطه في المجتمع الدولي. ولأن تحرك بوتين واعتداءه على القرم خرق على نحو واضح القانون الدولي، فقد لجأ إلى تبرير أفعاله من خلال السوابق المغلوطة غير المؤسسة على سند تاريخي، فهو يقول إنه يكرر فقط ما قام به الغرب في كوسوفو، والحقيقة أن الأمر بعيد كل البعد عن الصحة، فخلال تسعينيات القرن الماضي جاء التدخل الغربي بموجب توافق دولي واسع وترتيبات إقليمية ودولية شارك فيها عدد من البلدان بموافقة مجلس الأمن الدولي، كما أن التدخل نفسه استغرق سنوات من التفكير والمحاولات الدبلوماسية الدؤوبة التي سبقته واستنفدت غرضها، لكن بوتين مضى في حملته الدعائية محاولا تبرير استخدامه للقوة بالقول إنه يحمي الأقلية الروسية، والحال أنه لو سُمح لكل شخص يدعي الدفاع عن الأقليات بالتدخل العسكري لسادت الفوضى ولبات العالم مكاناً أكثر خطورة. لذا، وفقط من خلال رد حازم، يمكن تفادي الفوضى ومحاولات بوتين زعزعة استقرار أوروبا. وإذا كان من غير الوارد أن تصغي روسيا لنداء الغرب، فإن دول العالم تراقب باهتمام كيف سترد الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا. وفي هذا السياق يمكن القول إن البداية كانت جيدة، حيث سارع الاتحاد الأوروبي إلى توقيع معاهدة التعاون مع أوكرانيا، وساندت واشنطن فكرة نشر مراقبين دوليين، ودعمت حلفاءها الأساسيين في وسط وشرق أوروبا، كما تعهدت بتقديم مساعدات مالية وأمنية للحكومة المؤقتة في أوكرانيا. هذا بالإضافة إلى إقرار عقوبات على كل من خرق القانون الدولي. لكن هذه الخطوات الغربية على أهميتها يجب عن تندرج ضمن استراتيجية أشمل وهدف أسمى هو ذاته الذي حكم التوجه الغربي خلال الحرب العالمية الثانية والمتمثل في التأكيد على أن كل دولة لها الحق في اختيار علاقاتها الخارجية، وأن أوروبا يجب أن تكون ديمقراطية وحرة وموحدة. هذه الاستراتيجية تنهض بدورها على ثلاثة عناصر أساسية: أولا ضرورة بقاء الأراضي التي انتزعها بوتين ضمن دائرة المناطق المتنازع عليها ولا يُسلم له بالسيطرة عليها، وثانياً يتعين على أميركا وحلفائها أن يؤكدوا بأن روسيا مرحب بها إذا اختارت أن تكون عضواً مسؤولا في النظام الدولي، فنحن دائماً نرحب بالدول التي تقيس عظمتها بأدائها الاقتصادي ومدى انخراطها في العالم ومساهمتها في دعم استقراره واحترام الجيران، وليس فقط من خلال إشهار القوة العسكرية والتباهي بها. أما العنصر الثالث والأهم فيتمثل في بلورة استراتيجية خاصة بالدول المجاورة لروسيا، وهو أمر يتعين القيام به خلال زيارة أوباما إلى أوروبا للمشاركة في قمة مجموعة الدول السبع. وفي القلب من هذه الاستراتيجية نسج علاقات اقتصادية واجتماعية مستدامة بين أوكرانيا والغرب، وفي هذا الإطارة يمكن الاستفادة من تجربة كوسوفو، فبعد انتهاء الحرب هناك عام 1999 أدرك بيل كلينتون أن بلدان المنطقة ضعيفة ومنقسمة إثنياً ويصعب عليها تحقيق التنمية والازدهار، لذا سارع إلى عقد قمة سراييفو لضم تلك الدول إلى رؤية أوروبا الحرة والديمقراطية والموحدة. ويمكن لأوباما وحلفائنا اليوم أن يصدروا نفس التعهد خلال لقائهم في الأسبوع القادم، على أن تُتخذ إجراءات فورية لدعم استقرار أوكرانيا الاقتصادي ومساندة الدول الأخرى، كما يتعين إدماج شركات تلك الدول في علاقات تجارية متقدمة مع الغرب وفتح فرصة الدراسة والعمل لشعوبها. ومع كل ذلك يتعين على الأوكرانيين تطوير قدراتهم الدفاعية للذود عن بلدهم. وفيما شرعت أميركا في إرسال مساعدات غير فتاكة لأوكرانيا، فإنه لابد لواشنطن من إعادة النظر في سياسة خفض تمويل برنامج تطوير الجيش الأوكراني، فالبلد بحاجة إلى دعم للدفاع عن نفسه ومساعدته في استتباب الأمن. وأخيراً لا ننسى أن الأوكرانيين، ومنذ الثورة البرتقالية، عبروا عن رغبتهم الواضحة في الانخراط مع أوروبا، الرغبة التي خذلها قادتهم السياسيون من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى. وقد حان الوقت لتغيير كل ذلك واحتضان أوكرانيا وتحقيق رغبتها في أن تكون جزءاً من أوروبا موحدة وديمقراطية. ‎مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة ‎جيم أوبراين مبعوث إدارة أوباما للبلقان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©