كنت أرى في عينيك ضوءاً ينير لي طريقي، خطوة خطوة، ولحظة لحظة، أمشي بلا خوف من المجهول ، فجبال الصعب أمشيها واثقاً وكأنني خلقت لأروّض كل ما يعجز عنه الآخرون.. ها أنا ذا أعيش بزاد من رضاكِ كما لو أنني ملك الزمان، تارة بقلب شجاع لا يعرف الخوف، مادمت فيه تسكنين فيه وتزودينني بما تحتاجه معارك الحياة، وتارة بقلب طفل بريء لايعرف إلا اللعب، تسرّه مجرد ضحكة، أو دمية.. كيف استطعت أن تتحملي كل أنواع الألم، فما ذقته من مرّ الأيام ونكباتها، يجعل لأنهار الدنيا ومحيطاتها، طعم العلقم؟! كيف تحملت موت أبنائك واحداً بعد آخر، وبقي في قلبك ذرة من أمل بأن تبقي على حدود العقل والمنطق والحكمة ، وألا تقنطي وألا تزهدي، وألا تستسلمي.. وألا...؟! كيف تحمّلت كل هذه الفجائع، وقلبك الخفيف الشفيف الأبيض ببياض الياسمين، لم يخرج عن طيبته الأولى؟! كيف احتفظت بعقلك واتزانك، أمام طوفان الألم الذي يبدو أنه عرف الطريق إليك. فاستمرأ أن يزودك بكل الأنواع، ألم فقد الأبناء، وألم فقد الوطن، وألم التشرد واللجوء؟! كجبل لا تهزه الريح، بقيت على ما أنت امرأة من ذاك الزمان.. الذي لن يعود.. أُخرجتِ مكرهة مجبرة من بيت بُني من أحجار حملت من حيفا إلى صفد على ظهر الجمال، وشيد على مهل وأناة، فرصّعته أياد جدّ يبني وطناً، ظن أنه لن يغادره أبداً، فأتى عليه الغرباء وشردوا كل من فيه من أهل البيت، وألقوا بهم في مهاوي الردى واللجوء والتشرد ، مزنرين بحزام من نار الطائرات التي تقصف بلا وعي ، ونار الغربة وذل اللجوء.. بقلب فارس صنديد، وقفتِ في وجه نكبة التهجير من الوطن، فحملتِ الوطن في قلبك فعاش فينا نحن الأبناء ، وكأننا ولدنا فيه، ولم يزل ساكناً فينا كما أنت فيه. بقلب أبيض من الثلج تحملتِ نكبة «فقد الأبناء»، ملأتِه برجاء بسيط ونذرت لله أن تسميه رجا، فأتى «رجا» المستقبل أجمل طفل فيه مسحة من كل جمال وكل حكمة وكل قوة وكل إيمان وكل جاذبية، وكل أمل، تبدو في عينيه أمارات بأن يكون الأمل وبداية مشوار الحياة .. وأتى بعد الـ «رجا» إخوة وأخوات عاشوا في الغربة حاملين وطنهم في قلوبهم، يحلمون بيوم العودة إلى أرض أنجبتك يا أمي.. وكما عشت وتغلبت على كل آلام الحياة بزاد الأمل والرجاء، نعدك اليوم بأن تبقي فينا كي يظل للحياة طعم ، فلا طعم للحياة من دون الأمهات.. بدوي الجبل: ألفت حرّك لا شكوى و لا سـهد يا جمــــرة في حنايــا الصـدر تتّقد مرّي على كبدي حمراء داميــــة يبقى الحــــنين إذا تســــلم الكبدُ و ما أضيق بهمّ حيــــن يطرقني لقد تقاســــم حبّي البؤس و الرّغدُ إنّي أدلّل آلامي و أمســــــــحها مسح الشــــفيق و أجلوها و أنتقدُ حتّى تطلّ على الدنيا بزينتهــــا حســـناء تبدو عليهـــــا نعمة وددُ بعض الخطوب ظلام لا صباح له وبعضــا الفجر فيـه النّور و الرشدُ تفجّر الخير منه روضــــة أنفــــا تدعو إلى ظلّها وانين قد جهدوا إذا هم جرعوا من مائها جــــرعا توثّبـــت عزمات فيــــــــهم جددُ