تفتح لنا الذاكرة شبابيك الماضي فتطوف بنسائم مُثقلةُ بالود والشجن. وقبل أن تتضح الرؤية قد يثير ما نبشناه شعورنا بالنشوة والفرح، وقد تتسلل دمعة أسفٍ على ما فات من العمر والفرص والأيام. أذكر في زمننا أن لطيف القول والتعبير عن الإعجاب يكون مدحاً ثم يتحول إلى غَزل كمن يأخذ من الجميل شيئاً ليعطي ذلك الجمال أبعاداً أخرى. في خلوة المغرب وصلتني رسالة من ابن أخي غيث وفيها مقطع يتباهى فيه الشباب بالسرعة؛ فيكثر الدخان عندما تدور دواليب السيارات.. وفي المشهد سيارات تكاد ترقص البالية فتتداعى على جوانبها، وقبل نهاية التسجيل تبدو شابة جميلة تقول: «هلا بالعيال»! سرحت أبحث عن منطق، ثم قلت: يمكن يقصدون «صوبنا التوح» وينتظرون رد الغنادير: «عندنا معازيب». وهذا التحاور يستعرض الجانب الفطري من عوامل الجذب والطرد. فالغزل من غزال لحقته صفة الجمال لخفّة حركته. والغَزلُ هو ما تفعله ميٌّ والركاب تسير إنما تصنيفٌ لعلاقة الحب أو نبذ فكرته. يقول أحدهم إن «الغزل هو ضرب من ضروب الخِفّة العاطفية لعوامل جينيّة واستعداد نفسي فطري موروث فوق السيطرة لدى الذكر أو الأنثى وليس للبيئة دخل فيه... فقد تجده في الأمِّي والمتعلم، الجاهل والمثقف، البدوي والحضري، المراهق والكهل ولدى إنسان الأدغال وساكن قمم الجبال على حد سواء». وعدت إلى أرض الواقع متكئة على الذاكرة فمن خصائص الغزل في السبعينيات أنه اختصّ بالعفّة والطّهارة وهذا جليٌ في أشعار المحبين التي امتازت بالتشبيه والكناية والاستعارة لما يُبرز معاناة وآلام الفراق. اختلفت الموازين اليوم فلا يعرف الشباب من شيء عن مجلس الشعراء الذين استقينا لذة الشعر والغزل من تعابيرهم وجمال ما وصفوا به محبيهم...ولكنهم يعرفون جيداً «هلا بالعيال..». وفي بحثي عن «هلا بالعيال» وجدت قائمة اجتهد أحدهم على جمعها وهي مصطلحات لغوية دارجة يستخدمها الشباب فقلت في خاطري: هل من يدوّن هذه؟ فهي من إفرازات نسيج مجتمع متغيّر ربما يكون يومنا هذا من أهم ركائزه مستقبلاً. *** للعارفين أقول: جيلنا يعرف أين ليلى ترقد، ويستطيع شرح وإعراب وتخليص الصور البلاغية في قول قيس ابن الملوح «فإن تكُ ليلى بالعراق مريضةٌ فإنّي في بحر الحتوف غريق».. لذا أترك لكم ما بين السطور ومن يعرف الثقافة الإماراتية يعرف جيداً ما نقصد عندما نقول «على هامش الأخبار».