لأنَّ وثيقة الأزهر كانت منطلق الحوار الفكري، بل والصراع الذي تأجج بعد ذلك حول نوايا تيَّارات الإسلام السياسي في فرض رؤيتهم للدولة الدينية، فمن المناسب أن نركز حول هذه النقطة التي استغرقت كثيراً من النقاش، وكان الصديق الدكتور جابر عصفور قد تعرَّض لها في الجلسة السابقة وفي بعض كتاباته الصحفية، فانبرى الدكتور صلاح الجوهري لعرض وجهة نظر الإخوان في مدنية الدولة معارضاً رؤية الدكتور عبدالمعطي بيومي، فقال: «النقطة الأولى في الوثيقة تدعوني لأن أعود لأذكّر بما تم طرحه في الجلسة السابقة، من أن علوم السياسة والنظم الدستورية جميعاً لا تعرف ما يسمى بالدولة المدنية (civil State). وقد قام الدكتور جابر عصفور بشرح أن المقصود بالدولة المدنية هو (Seclar State)، مما يعني الدولة العلمانية وأنا لا أقول إن العلمانية شيء ضار أو نافع، ولكن نريد أن نكون واضحين ودقيقين. أنصار هذا التعريف يقولون إنه يعني أن لا تكون الدولة دينية، وهذا مفهوم غريب على الثقافة المصرية والثقافة الإسلامية، وأظن أن فضيلة الإمام قال: لا تعريف بالسلب. إنني أتفق مع كل المبادئ التي وضعها الدكتور صلاح فضل من 2 إلى 8، أما أن يتضمن المبدأ الأول مصطلحاً لا وجود له ولا معنى له، أو هناك على الأقل خلاف عليه وهو «الدولة المدنية» فأعتقد أن كلام الدكتور يجب أن لا يكون فيه أي عبارات فضفاضة، لا معنى لها أو غير واضحة، بل يجب أن نقدم معنى واضحاً للناس، وقد أصبحت هناك فتنة بالدولة المدنية، واستدعاء لمفاهيم وهمية كمفهوم الدولة الدينية. ويحمل المبدأ الأول الذي كتبه الدكتور صلاح فضل التناقض الواضح والصريح، حيث يقول «اتساق المفاهيم الإسلامية مع فكرة الدولة المدنية». أولاً: قلنا إن الفكرة غير موجودة، وحتى لو كان للدولة المدنية مفهوم فيجب أن يقال: اتساق الدولة المدنية مع المفاهيم الإسلامية وليس العكس، المرجعية للمفاهيم الإسلامية لا تعصباً، ولكن القديم لا يقاس على الجديد، بل الجديد هو الذي يقاس على القديم، وأعتقد أن مرجعية الثقافة المصرية - وخاصة بالنسبة للأزهر الشريف - هي المفاهيم الإسلامية. ثم التناقض الثاني: يستدعي فكرة الدولة المدنية ثم يقول «حيث لا يعرف المسلمون تاريخاً ولا تشريعاً يطابق ما يعرف في الثقافات الأخرى بالدولة الدينية». أنت تستدعي مرضاً ليس موجوداً عندنا وقضية خلافية لا أساس لها في ثقافتنا، وتريد أن تدخلها على مفاهيمنا، ثم تستدعي لها علاجاً من الخارج، عندنا قضايا أكثر أهمية. وقد علق الكاتب سامح فوزي قائلاً: «إن موضوع الدولة المدنية قد تحول إلى العنوان الرئيس للاستقطاب في الشارع، وفي المنتديات الثقافية والفكرية على مدى الفترة الماضية. والملاحظ أنه لم يقدم حلولاً حقيقية حتى هذه اللحظة، بغض النظر عن الزخم الشديد والكثافة في التناول الإعلامي، لم يقدم بلغة يفهمها الشارع والقطاع الغالب على المجتمع، مما زاد من مساحات التعصب والاستقطاب إلى حد كبير». فأنا أرى الاتفاق حول مصطلح مثل «الدولة الحديثة» أو البحث في الاشتراطات الأساسية للدولة، خاصة الدولة التي تحافظ على الأمن وتطبق القانون وتقدم شبكة الأمان الاجتماعي لمواطنيها. وللحديث بقية.