يحفل التاريخ بقصص أولئك الذين ماتوا عشقاً لكن الأروع يبقى من مات وطناً.. من جاد بالروح شهادة في ظل العلم.. من ذهب إلى ساحة الشرف يحمل في القلب ابناً وزوجةً وأباً وأماً لكنه علمنا حقيقة جديدة هي أن القلب ذاته وطن.. هو الرداء لكل تلك الأماني هو المبتدى والمنتهى.. هو الذي نسكنه ويسكننا.. نسير فيه ويسير في الشرايين غذاءً وأنفاساً وروحاً.. هو المال والعيال.. الحقيقة والخيال.. أول السطور والمآل. حتى وقت قريب ربما ظننا مع من ظنوا أن المواطن الإماراتي الذي يرفل في ثوب الترف والعز قد نسي دروس الشموخ والفداء التي سطرها الأجداد.. وبعد أن تصدت الإمارات لدورها العربي وشاركت في عاصفة الحزم ثم عملية استعادة الأمل لليمن الذي كان سعيداً.. انتفض الجندي الإماراتي يسطر بدمه الطاهر ملاحم للذود عن الأوطان والاستشهاد لله وللوطن. لست كاتب سياسة وكان أجدر بعودتي ولزاويتي أن تكون فيما هي له.. لكنها أولاً وأخيراً زاوية مدادها حب الوطن وسطورها هذه الأرض التي أنجبتنا.. تلك الأم التي تجمعنا كلنا.. هنا أو خارج الإمارات. أتضاءل كثيراً أمام تلك الدماء التي سالت من خيرة شباب الوطن.. وأتضاءل أمام جلد الآباء وصبر الزوجة والأبناء.. هؤلاء الذين علمونا درساً آخر: إن رحل حبيب فقد بقي الوطن. اعتدت تلك الحالة.. حين تعجز المفردات عن وصف المشاعر لكنها أبداً ليست كتلك المرة.. ليست في شموخ الشهيد ولا في عظمة الأهل وروعة الجنة.. ليست قادرة على وصف الزفاف إلى السماء والتسلل إلى مشاهد البذل والفداء. لا شيء كالموت وطناً.. أن تواجه ما تواجه بصدر مفتوح من أجل الحق والعدل.. أن تذهب وأنت تعلم أنك قد لا تعود.. لكن أتدرون هؤلاء وحدهم هم المختارون.. هم الصفوة.. هم الذين اختاروا الشهادة فاختارتهم ومنحونا تلك الحالة التي تسري بيننا جميعاً فتوحدنا في قلب واحد.. كلنا ذاك الشهيد وهذا الأب وتلك الأم.. اختبرنا كل تلك المشاعر واطمأننا أننا مشاريع للفداء.. ولولا هؤلاء الأبطال ما فاضت في الصدور كل هذه المشاعر تاريخاً وحاضراً وغداً.. كلنا شهداء إذا حان النداء.. كلنا نفديك يا وطن. إلى جنة الخلد يا أغلى جنود الإمارات.. إلى جنة الخلد يامن دافعتم عنا أحياء وعلمتمونا عند الشهادة كيف لا يبلغ حب الوطن منتهى.. يا من أهديتمونا في الموت حياة.. يا من سطرتم بالدم الطاهر قصة لن تبرح القلوب.. يا من أيقظتم فينا كل الحب وعرفنا منكم كيف يصبح الحزن فرحة. كلمة أخيرة لكل أبناء «الشهيد».. ودعتم أباً وبات الوطن هو الأب.