احتاج البرازيلي براجا مدرب الجزيرة السابق إلى ثلاث سنوات حتى يحقق ثنائيته مع الجزيرة، وبالرغم من ذلك وبقصد أو من دون قصد، ولأن «البدايات» لها خصوصيتها، فقد ظل براجا بمثابة الملهم في قلعة «الفورمولا»، للدرجة التي باتت المهمة صعبة لمن يأتي بعده، وكم من ضحية جاءت بعده، ورحلت، ليس لعيب فيها، بقدر ما أنها لم تملأ فراغ براجا.. لأن «الجلباب» الذي تركه ليس على مقاس أحد. وحده زنجا، الذي استطاع أن يملأ هذا الفراغ وزيادة حتى الآن.. وحده الذي استطاع أن يدفع محبي الجزيرة للصمت والتفكير، فقد شعروا للمرة الأولى منذ رحيل «آبل» أن هناك من يداعبهم بصدق .. هناك من تسلل إليهم، ومنحهم هذا «الإكسير» الذي اختتم به براجا مرحلته مع الفريق الجزراوي، ولم يعد أحد بالنادي يرغب في العودة للوراء. اليوم، يكفي أننا لم نعد نسمع كلمة براجا.. لم يعد الجزراوية مشغولون بالمقارنة بين الحاضر والماضي، فقد أغناهم زنجا عن ذلك، والغريب والمدهش أن زنجا الذي تولى الجزيرة، تغير هو الآخر، فهو ليس المدرب الإيطالي الذي عرفناه من قبل، والذي كان يعيش على الجدل أكثر مما يعيش على النتائج، وكأن كلاً منهما كان يبحث عن الآخر. زنجا تسلم الجزيرة في المركز الثامن بالدوري برصيد 8 نقاط فقط، واستطاع بعد أن تسلم المهمة الفنية أن يجمع 28 نقطة في 14 مباراة، وتأهل إلى نصف نهائي كأس المحترفين بالصف الثاني، وأخيراً حقق في دوري أبطال آسيا إنجازاً تاريخياً غير مسبوق، عندما فاز على الشباب السعودي بثلاثة أهداف مقابل هدف، وهي النتيجة التي تسطر لعصر جديد لأنديتنا مع دوري الأبطال، وتمثل برهاناً على أننا ودعنا عصر التمثيل ليس إلا، أياً كانت النتيجة النهائية لتلك المشاركة، لاسيما أن تلك النتيجة ليست إنجازاً للجزيرة وحده، وإنما هي لكل الفرق الإماراتية، فالفوز هو الأول على فريق سعودي بملعبه. كثير ما فعله زنجا .. فعل مع نفسه أولاً، فأصبح هادئاً مع الحكام ومع كل وسائل الإعلام، وعزز مقومات شخصيته القوية والمقنعة لكل اللاعبين الذين يحظى بتقديرهم جميعا، وكثير ما فعله مع الفريق، فقد عالج مشكلة الدفاع بكفاءة عالية وتصدر دوري الأبطال الآسيوي، ومنح الثقة لنجوم واعدين، مثل أحمد ربيع وأحمد العطاس وخلفان مبارك، وأعاد اكتشاف عبدالله قاسم ووظفه بنجاح في 4 مراكز، وهو نفس ما فعله مع الكوري الجنوبي هيونج مين شين. وعلى الرغم من أنه قادم من مدرسة إيطالية عتيدة، معروفة بدفاعاتها الصارمة، وهي ما كانت سمة زنجا من قبل، إلا أن الطريقة تغيرت مع الجزيرة، وباتت أكثر مرونة، وأكثر تواؤماً مع «الفورمولا»، فأضاف كل منهما للآخر أيضاً، وأصبح اللعب الجزراوي من هذا اللون «السهل الممتنع»، يقوم على الدفاع الجيد، وخطف المنافس، والاحتفاظ بالجماليات في التحول من الدفاع إلى الهجوم. مع زنجا، أصبح عبدالعزيز برادة غير، وأصبح مسلم فايز صخرة قوية في الدفاع تتحطم عليها خطورة المنافسين، والتزم لاعبو الوسط والمهاجمين بأدوار دفاعية من الأمام، فلم يعد الفريق بحاجة لمهاجم لا يدافع ولا بحاجة لمدافع لا يساند فريقه في الهجوم حتى لو كان قلب دفاع، ومع زنجا عاد خالد سبيل للتألق بعد غياب طويل، واستعاد عبدالله موسى حيويته .. باختصار عاد الجزيرة وعاد زنجا والفضل كله يعود إلى الشيخ محمد بن حمدان بن زايد آل نهيان نائب رئيس نادي الجزيرة رئيس مجلس إدارة شركة كرة القدم الذي بدأ يجني ثمار صبره واجتهاده المرحلة الماضية. كلمة أخيرة: أجمل ما في الكرة أنها «عفوية» .. مدها وجزرها من «بحر الإبداع» محمد البادع | mohamed.albade@admedia.ae