أن تشيد مباني وقاعات عرض للمسرح، فأنت تعمر لحياة ثقافية واعية بعيداً عن متغيرات الأيام والأحداث تماماً، كالذي يعمر مدرسة في قرية بعيدة، سوف يثمر العمل فيما بعد. ليس بالضرورة الآن، وإنما في مستقبل الأيام، مثل غرس نخلة والعناية بها لتعطي الثمار فيما بعد ربما ليس لك، وإنما للأجيال القادمة. إن الثقافة والمسرح والأنشطة الاجتماعية الثقافية هي الوحيدة النقية والمهمة في هذا العصر الذي شوهته السياسة، والمسرح بالتأكيد هو الأهم لأنه مرآة الحياة يقرأ الماضي بصورة الحاضر، وينير الدروب للقادم، بما يطرحه من قضايا ومراجعات للتاريخ والحاضر بصورة بعيدة عن ذهنية ذلك السياسي الذي يخضع كل شيء لموضوعه وفكرته وغاياته، كان ذلك السياسي يملك الإعلام والأقلام والأبواق، ولكنها في زمن الانفراج والانفتاح على العالم، أصبح صوته ورؤيته مثل الضباب، ولم يعد أحد يملك رؤوس الناس التي تقرأ خارج الأسوار، وبعيداً عن الإعلام السياسي، وبالتالي تهلهل منطق السياسي وعظم دور الثقافة والفن والمسرح. وحدهم المثقفون الواعون وأصحاب الفكر النير وذوو الرؤيا البعيدة يدركون أن هذا الزمن هو زمن الحب والتفكير بتأن، وبحلم ذلك الحكيم الذي يترك قشور الحياة لقصيري النظر.. لا أحد يصد الإعلام والفضاء الإعلامي الذي يمزق الأوطان، ويفرق الناس عن الحب الذي يجمعهم ويوحدهم في حب الأرض والوطن وحده، ولا شيء سواه. الآن يجب أن يكون للثقافة والمسرح والفنون دور مهم في جمع الناس على المحبة، وأولها الأرض والوطن، وأن ينهض بالتفكير ويبصر الأجيال الجديدة بأهمية الحياة المحبة للسلام والترابط في حماية الأوطان من عاديات الأيام، ومن المتغيرات الكثيرة التي تأخذنا بعيداً عن رؤية الجميل في هذه الدنيا، خاصة عندما وضحت الأمور بأن بعض الأفكار الماضوية والراجفة والمتأملة أن تأخذ الناس إلى الماضي السحيق قد سقطت. وحده المسرح يستطيع أن يقدم صورة الحياة الجميلة، وأيضاً نقد ما يعطل المضي قدماً في مسيرة الحياة برؤيا واضحة وسليمة عبر الفن والنص والممثل القادر أن يجعل من المسرح فضاء تنويرياً يخدم الحياة وينشد التطور إلى الأفضل. لقد غمرتني سعادة كبيرة، وأنا أشاهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المثقف الكبير والأب الراعي والداعم للحياة الثقافية والفنية والمسرح على وجه الخصوص، وهو يعاين بنفسه التجهيزات الأخيرة للمسرح الذي سيكون الأهم والأكبر في الشارقة والإمارات، أن هذا الاهتمام والمتابعة والعناية بالمسرح هو المعنى العظيم لرعاية الثقافة في بلدنا العزيز، وهي الرؤية الواعية والعارفة بدور المسرح وما ينتظر منه في المستقبل، بل الرهان على المسرح بأن يأخذ الحياة الثقافية في الإمارات إلى مسارات كبيرة ومتقدمة، أن مقولة: أعطن مسرحاً حقيقياً أُعطك ثقافة وفكراً واعياً ومنيراً، لابد أن تتحقق، عندما يشتغل أهل المسرح والمثقفون على إنتاج نصوص قوية واعية وحرة في طرق أبواب كل الحياة، وتقديمها بصورة صادقة دون خوف أو وجل، خاصة في هذا الزمن الذي أخذت تموت فيه الأبواق المنافقة والخائفة والمضعفة دائماً وأبداً لكل شيء، لقد شاهدنا موتها في وسائل الإعلام ومجالات ثقافية أخرى، لأنها عندما تنافق وتصفق لأي شيء تظهر مشوهة وكاذبة ولا تبحث إلا عن الموائد والمقاعد، وكم من هؤلاء تعرى تماماً، عند أول باب فتح لهم. إن الثقافة والوعي يجب أن يأتي اليوم من المسرح والنص المسرحي، حيث الجمهور المباشر الذي لا يصفق غير للمهم والجاد، المسرح إذاً هو الحياة. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com