الجولة الخليجية التي قام بها محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني تعنينا كثيراً في السلب وفي الإيجاب، فإيران دولة إسلامية جارة، وأي سلوك تقوم به يؤثر فيها ويؤثر فينا. بعد الاتفاق النووي مع الدول الخمس الكبرى، وجدنا طريقاً لضوء يأتي من بعيد، وقلنا: ربما يكون لهذا الاتفاق ما يفيد للتفاؤل؛ كوننا شعوباً تؤمن بالتفاؤل، ولا تسترخي كثيراً للتشاؤم. لكن، وبعد التصريحات البحرينية حول اكتشاف ما يقشع سحابة التفاؤل، ويلقي بظلال التشاؤم، علينا أن نتساءل: ماذا يريد أن يقوله ظريف لقادة المنطقة والشعب الإيراني والشعوب الأخرى؟، هل هو تسويق لمنطق القوة، واعتبار أن الاتفاق انتصار لإيران وتقوية لها؟ أم أن الجولة تحمل في طياتها شراشف تخفي تحت قطنها نوايا غير التي يتم ترويجها؟. صحيح السياسة كياسة، ولكن عندما ترفد السياسة بمبادئ براجماتية مرجفة، فإنها تبعث فعلاً على التشاؤم، وتفقد الناس أملهم بمن يريد أن يظهر ما لا يبطن. قادة الخليج العربي مؤمنون بأن إيران دولة جارة ولا يمكن إزاحتها من الخارطة وإبعادها إلى أماكن أخرى، لكنهم أيضاً على يقين تام من أنها لن تستطيع في يوم من الأيام إزاحة التاريخ من مكتبة الزمن ولا تلوين الجغرافيا بما تشتهيه. فالمنطق يقول: إن على إيران أن تلتفت إلى الحقيقة وتعرف جيداً أن دول الخليج العربي ليست ضعيفة، وهي قادرة على أن تحمي نفسها، وتحمل راية الإسلام إلى العالم كما حملته في سابق العهد، وأوصلته إلى إيران وحررتها من مجاهيل زمن غابر. جولة ظريف مطلوب منها أن تكون واضحة صافية، كما هي حياة الخليج العربي، وكما هي قلوب أبناء المنطقة، وكما هي سياسة قادتها، فالمسألة لا تحتاج إلى جولات أكثر من حاجتها إلى معتقدات جلية لا تفشي ولا تحاول أن تمس شغاف الحقائق. وكل ما يطلبه أبناء الخليج العربي هو الجار الذي يخاف على أمن غيره، كما يحافظ على أمته، وأن يتخلى عن الكبرياء المزعوم، وألا يناور ولا يغادر الحقائق إلى مناطق رمادية تسيء إليه قبل أن تسيء إلى غيره، فهناك امبراطوريات وحضارات تلاشت وانتهت إلى لا شيء بسبب تجاوز الخطوط الحمراء للعلاقات الدولية، وإيران قادرة أن تفعل ما يحميها من الضرر ويحفظ شعبها من العسر إذا أرادت ذلك، ودول الخليج العربي مدت وتمد الأيدي لعلاقات سوية نقية من شوائب التقية والاستقواء.