بصراحة لا أفهم شركات الاتصالات عندنا، ورسائلها التسوقية والدعائية، فمرات يرسلون لك رسالة إذا ما كنت لا ترغب بخدمة الرسائل التجارية أن تتبع الخطوات التالية، وتغمز على أرقام معينة، وبعد طول انتظار، وتتبع لعاملة التسجيل، تفاجأ أن الخدمة ما زالت، ولا يمكن الفكاك منها مهما حاولت، ثم أمر آخر كثرة الترحيب بك الذي يقل المعرفة بالتأكيد، فحينما تحل بلداً، فالرسالة الترحيبية الأولى بالإنجليزي، ثم بالعربي، ورسالة برقم السفارة، وأربع رسائل شكر لاستعمال خدماتهم، ولا تتوقف الرسائل اليومية، لكن التعب أن تكون في سويسرا مثلاً، وتظل تدخل حدوداً فرنسية ثم إيطالية وترجع سويسرا في المساء، يومها سيمتلئ هاتفك برسائل الاستقبال والوداع وترحيب سفارات الدولة في الخارج بالمواطنين الكرام، إحدى شركاتنا، نكون سافرنا، ورجعنا البلد، وجالسين في حضن الوالدة، وهي تبث رسائلها المتكررة، والمتراكمة ترحب بك في بلدك الثاني فنلندا، وتشكرك على استعمال خدمة التجوال! تضحكني بعض المؤسسات الثقافية والتي في الغالب تتعامل مع التكنولوجيا بيد مرتجفة، وبعدم محبة واضحة، وتظل تحنّ لأيام الفاكس الخوالي، فإذا كان عندهم نشاط أو محاضرة أو معرض فسيبعثون لك رسالة وتتبعها رسالة وعند المغرب رسالة مماثلة من جديد، وبعدها بدقائق تكرار للرسالة، وحالهم يقول:«يا أخي يمكن ما وصلت الرسالة الأولى..»! لما يسمع جيل المخضرمين أغنية «جيمس بروان»:«ذات أز واي.. آها.. آها، آي لايك ات» أو أغنية «ديميس روسس»: «فار.. أواي»، يشعر أن الزمن قد جرى بسرعة، أربعون عاماً ويزيد، كيف سرقنا الوقت؟ ساعتها ينكفئ بعد الفرح بسماع تلك الأغنية التي ظهرت فجأة في محطة إذاعية ما زالت مخلصة لأشيائها القديمة، فيحنّ لأيام «الكشيش والشارلستون، وسيارات الجي تي» بعض الأغاني تعيش أكثر من الإنسان! «اعتذروا.. وإن لم يسمعكم أحد» و«الاعتذار دائماً في محله» و«لوحوا بأيديكم.. كإشارة ود للطرف الآخر» تلك هي شعارات فيينا العاصمة الجميلة، لكي يتفادى الناس من مشاة ومستخدمي الدراجات، وسائقي السيارات أي توتر في الشارع، والذي يمكن تجنبه بكلمة صغيرة تحمل الاعتذار والتسابق إليه، وأحياناً لا يكلف إلا ابتسامة، بعيداً عن تعقيد الحاجبين، أو الرجوع لصندوق السيارة، وإخراج «مفك براغي، سبانه، جيك» للتلويح به في وجه الآخر، أو كيل السباب والشتائم له، فيينا تقول: «ابتسموا كما لو كان عيد الميلاد»!