بعض الأشخاص يصنعون الزمن بمعنى يضفون عليه شخصيتهم، سحرهم الخاص وفتنتهم، فيصير وكأنه مفتون بهم، بعضهم يعطي للسنوات أوصافا وبعضهم يمنحها ألقا وبعضهم يضفي عليها احتراما وعمقا حقيقيا، فلا يُقال سنوات الستينيات مثلا ولكن يقال حقبة الرموز العظيمة، وعهد العمالقة أو سنوات المفكرين والممثلين الكبار والفن الجميل، في السياسة كما في الفن، في المسرح والسينما كما في الأدب والموسيقى! لقد شهدت السنتان الماضيتان رحيل «نجوم» حقيقيين واحدا إثر الآخر، رحل عدد كبير من المخرجين الكبار والممثلين والفنانين الذين وصف الفن بالجميل والرائع والمحترم نسبة لهم ولمشاركتهم فيه.. كما ارتبطت أجيال كثيرة بهم وبعطائهم، فشكلوا مدارس وتوجهات كبرى. منذ يومين رحلت فاتن حمامة التي كانت واحدة من هؤلاء العظام الذين شكلوا وجدان أجيال من شباب العرب، لم تكن مجرد ممثلة وإلا ما كانت لتحظى بكل هذه المكانة الرفيعة، كانت صاحبة موقف صارم دفعت ثمنه سنوات من الغربة حين تركت مصر لتعيش في بيروت ومن ثم ترحل الى لندن قبل أن تعود الى مصر مطلع السبعينيات، وفي السينما لم تتنازل عن دور الفتاة المصرية الحقيقية التي ظلت الشخصية المصرية بوصلتها وهي تؤدي دور الفتاة والزوجة والأم، كان عليها أن تكون كما أرادها المصريون وجدانهم ورافعة قيم المجتمع لديهم، فغير مسموح أن تقبل البطل أو ترتدى ثوب السباحة على البحر أو... لم تعبر السينما ضجيجا يتفاوت بين الفضائح والشائعات، ولا تعثرا يتأرجح بين أفلام المقاولات والكباريهات، كانت باذخة جدا في كل حركتها في السينما وحتى انتصرت على رجل المخابرات الذي اراد تجنيدها، فجرم هو، وبقيت هي «سيدة القصر» الباحثة عن فضاءات الخير والجمال، كما بقيت حتى نعاها القصر الجمهوري سيدة الشاشة العربية بدون منافسة او منازع ! أوقعت العالم العربي وحتى الغربي في فتنة أدائها وشخصيتها منذ «يوم سعيد» مع عبد الوهاب عام 1940 وحتى «أرض الأحلام» عام 1993، تلك الفتنة التي لا تليق إلا بسيدة قصر «فاتنة» تصدت لكل قضايا مجتمعها بعنفوان لا ينكر، في دعاء الكروان كما في أفواه وأرانب وأريد حلاً وامبراطورية ميم... في كل مشوارها الطويل احتفظت فاتن بحضورها الفاتن وكامل احترامها وسطوتها على القلوب حتى رحلت مساء السبت بجلال يليق بها !