الحوار نافذة للإطلالة على بساتين الأفكار وهو الإبرة التي تحيك الخيط في قماشة الحياة هو الموجة التي توشوش في آذان السواحل لتيقظ السواحل و المحارات من سبات التكوين الأزلي، ولكن عندما يصبح الحوار صحناً ملوثاً، وفناء ضيقاً لا يتسع لمرور دجاجة، وعندما يصبح الحوار كصفير الرياح المنذرة بطوفان وهذيان الطبيعة عندما يصبح الحوار مجرد خوار يضج ولا ننتج أفكاراً مفيدة، عندما يصبح الحوار محاولة يائسة لإثبات الذات المنقوصة، والمناكصة إلى عوالم مظلمة وهلامية عندما يكون الحوار كل ذلك فإنه يفسد العلاقة مع الآخر، ويدهور مركبة الحياة ويجعلها تتهاوى في مقر وادٍ سحيق لا قرار له.. عندما يصبح الحوار كل ذلك تفسح الأشجار أوراقها وتتخلى الأنهار عن مائها وتستغني السماوات عن نجوم، والأرض تميد بأصحابها والجبال تمور والبحار تثور وتبتر زعانف أسماكها.. المثقفون أكثر تزمتاً من سواهم، لأنهم ارتكبوا معصية الثقافة من دون وعي وتصوروا أنهم امتلكوا زمام المعرفة ولا أحد يباريهم أو يساويهم.. المثقفون المتورمون أشبه بالدمامل المتقيحة عندما يدخلون في حوارات جادة فإنهم ينفجرون صديداً وقديداً ولا نفع في إسكات ذلك التنين الجهنمي في داخلهم.. إنما نحن بحاجة إلى مثقف قارئ أولاً ومتصالح مع نفسه ثانياً ومتوائم مع الآخر ثالثاً.. نحن بحاجة إلى مثقف متكامل الهوية والسجية، مثقف يتعاطى مع الفكرة كما تتعاطى الفراشة مع الزهرة فلا يخل ولا يزل ولا يُفرط ولا يُفَرط ولا يحط ولا يشطط ولا يغط ولا يمط ولا يفضي ولا يرضي، نحن بحاجة إلى المثقف الذي يعلم جيداً أن الدفاع عن قضية الوطن هو دفاع عن النفس والدفاع عن النفس هو دفاع عن الوجود الإنساني.. اليوم أصبح الإرهاب البغيض قضية القضايا، ولكن مناقشته لدى البعض سطحية إلى درجة السماجة وساذجة إلى حد الثغاء والرغاء ونحن بحاجة إلى المثقف الذي يضع الوطن ما بين الرمش والرمش والوعي أولاً بما يفعله الإرهاب من هدم وعدمية، لابد وأن يتصدر أي حوار ومن يخاف أو يتجنب الاقتراب من هذا البعبع فهو يخاف من الحقيقة والحقيقة تقول إن الحق هو أن نفند الإرهاب بأنه الآفة التي لابد من قطع دابرها.