هناك اليوم أزمتان سياسيتان على جانب كبير من الخطورة والحساسية، أزمة أوكرانيا وجزيرة القرم التي تهدد باحتمال اندلاع مواجهة كبرى من نوع ما في أوروبا، وأزمة توتر العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي إثر قرار سحب سفراء كل من الإمارات والسعودية والبحرين من الدوحة بسبب عدم التزام قطر بتعهداتها التي وقعت عليها في اجتماع الرياض نهاية العام الماضي فيما يخص التداخلات السياسية الخارجية القطرية وتقاطعاتها مع بؤر الصراع والاحتراب الإقليمي في المنطقة وطريقة إدارة الدوحة لهذه التقاطعات بالشكل الذي يؤثر على الأوضاع الداخلية لهذه الدول ويضر بدول ومصير المجلس وتحديدا السعودية والإمارات والبحرين وبعض الدول العربية كجمهورية مصر، وبينما العالم كله معني بتداعيات أزمة أوكرانيا وجزيرة القرم التي ربما تنتهي بحرب شديدة الخطورة إذا فلتت الأزمة من قوالب الإدارة الدبلوماسية وتم التصعيد أكثر فيما يتعلق بحزم العقوبات لدى كل فريق ضد الآخر، فإن ما يعنينا أكثر نحن أبناء الخليج هو تداعيات التوتر داخل البيت الخليجي وذلك لأكثر من سبب: أولا يشكل قرار سحب سفراء ثلاث دول خليجية من دولة رابعة عضو في المجلس سابقة سياسية وتاريخية شديدة الحساسية من حيث أسبابها وتوقيتها ونتائجها إذا لم تعالج الأزمة بالحكمة المعهودة لدى قادة دول التعاون، حيث إن هذا التصعيد الإعلامي وتبادل السباب والشتائم، لا يدل على وعي حقيقي بحجم الأزمة، كما لا يقود لحل سياسي براجماتي منتظر، الغوغائية ليست آلية سياسية لحل الأزمات ! قطر تعيش تحت وطأة شعورين: الرغبة في الخلاص من عقدة الضآلة (صغر المساحة، قلة عدد السكان، تضاؤل الوزن السياسي في المعادلة الدولية والإقليمية لسنوات طويلة) واليقين بأن الطموح حق مشروع طالما توافرت الإمكانات خاصة وأن قطر تشكل اليوم خزاناً هائلاً من الثروة التي تديرها قطر على صعيد تكريس معادلة جديدة تنتقل بها قطر من وضعية الدولة الضئيلة عديمة الشأن إلى دولة ذات استراتيجية نفوذ وامتدادات اقليمية وعالمية، سواء بشراء أصول وعقارات هائلة حول العالم أو بالتورط في تمويل جهات ومنظمات الصراع في المنطقة كما هو الحال في اليمن (الحوثيين) جبهة النصرة (سوريا) الإخوان المسلمين، وغيرها، إضافة للعب دور الوسيط في العديد من التسويات الإقليمية ! هذا الدور الذي ينظر إليه الكثيرون على أنه أكبر من قطر وأخطر مما قد يتوقعه القطريون، يرونه هم حقاً مشروعاً وطموحاً سياسياً لا يجب أن يستشيروا فيه أحداً، والواقع أن هذه التقاطعات تتعدى الطموح لتدخل في إطار الإضرار بمصالح منظومة المجلس الذين هم أخوة وجيران وسكان البيت نفسه، وعلى قطر أن تنتبه الى أن هذه المنطقة لا تحتاج سوى قشة لينقصم ظهرها تحت عبء الضغوطات والتهديدات التي تعمل الدول على تحاشيها بكل الوسائل، فلماذا تصر قطر على أن تكون هي هذه القشة؟ لماذا تصر قطر على أن معادلات طموحها السياسي أمر يخصها وحدها بينما تعلم يقيناً أن تمويلات الحروب الإقليمية تعصف بنا جميعا وتضعنا في عين العاصفة؟ لماذا على قطر أن تفتت الصف وتعمق الخلاف للاشيء وللاهدف حقيقي ومعقول ومنطقي؟ العقل والعقلانية سمة السياسة الخليجية، وهذا ما نتمنى من القطريين وكل أبناء البيت الخليجي أن يتذكروه ويعتصموا به. ayya-222@hotmail.com