في محاضرة من المحاضرات التي استضافها خلال شهر رمضان الفائت، المجلس العامر لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، جرياً على عادة سموه في الشهر الفضيل من كل عام، توقفت أمام ما ذهب إليه المحاضر، وقد كان خبيراً ألمانياً في مجال التعليم والابتكار عندما تطرق للتحديات التي تفرضها التقنيات الحديثة، فمع مئات الآلاف من الخريجين الذين تدفع بهم الجامعات حول العالم إلى أسواق العمل، نجد أن التقنيات تسبق، وتقدم حلولاً ابتكارية للاستعانة بها بدلاً من عشرات الآلاف من العمالة. وقدم مثالاً لذلك بشركة «جوجل» عملاق التقنيات، وسيارتها من دون سائق التي قطعت مليون كيلو متر من دون أن تسجل حادثة واحدة، وما يعنيه لك من خطر يتهدد آلاف السائقين. تذكرت طرح الخبير، بينما كنت في جناح واحدة من كبريات شركات بيع المواد الغذائية في العالم، وذلك في معرض إكسبو 2015 الذي تستضيف فعالياته مدينة ميلانو الإيطالية، بينما ستحط فعاليات الدورة المقبلة من المعرض العالمي الذي يقام كل خمس سنوات، ستحط في «دانة الدنيا» دبي وإكسبو 2020. في ذلك الجناح، قدمت الشركة صورة لسوبرماركت المستقبل الذي يستطيع المتسوق التزود منه باحتياجاته دون الاستعانة بعنصر بشري واحد، وسداد قيمة تلك المشتريات للجهاز الذي أمامه. صورة من صور التحدي التقني المقبل على الإنسان والمجتمعات والدول، والذي يتطلب –كما دعا ذلك الخبير- للمزيد من الاستثمار في التعليم النوعي والابتكار. في مجتمعاتنا الخليجية التي تعاني ندرة في الموارد البشرية، يتحمس البعض للحلول التقنية المبتكرة، لكنه يقدم رجلاً ويؤخر الثانية عندما يتذكر التكاليف الباهظة للتقنيات الحديثة مقارنة بالعمالة الرخيصة، وتهدد هذه التقنيات حتى الذين يعتمدون على قدراتهم الإبداعية والكتابية، بمن فيهم الإعلاميون والصحفيون والكُتاب ومؤلفو الروايات، إذا يكفي أن ينفخ الناشر فكرته في البرنامج ليقدم له مواد تملأ صفحاته بالتحليلات والمقالات المطلوبة والمتفقة مع توجهاته، وهكذا وفر جهداً ومالاً!!. واقع سيبرز أمامنا خلال السنوات القليلة الماضية، وستجد الكثير من المجتمعات نفسها مطالبة للتوفيق بين احتياجاتها من الموارد البشرية والقدرات الهائلة التي توفرها التطورات المتلاحقة للتقنيات الحديثة، وإلى أي شوط تستطيع المواكبة والملاحقة حتى لا يكون شيء على حساب أشياء أهم وأكبر.