تطلُّ الفتنة من ثغور الشر، فإن لم تجد أحداً يضربها بحجر على الرأس، فإنها تزحف للالتفاف على براعم الورد وتبدأ بث السمّ في طريق الذاهبين بحبٍ إلى المستقبل. وما من علاج للفتنة سوى سد جحورها وردم مكامنها أينما ظهرت وتكاثرت. وإخراس أفواه دعاتها الدخلاء، الذين امتهنوا نشر الدسائس بين الأخوين والصديقين. فهؤلاء لا يرضون إلا بمشهد الخراب يكبر في عيونهم المريضة، ولا يسرّهم سوى انقلاب الأصدقاء إلى أعداء، واقتتال الشقيقين والتفرج عليهما حتى ينتهي عراكهما وكلاهما خاسرٌ نفسه. وقد تلبس الفتنة قناع الرعب، ولكن لا يخاف من مواجهتها سوى الجهلاء الذين يظنون نفحها ناراً، وهي في الحقيقة مجرد دخان أسود وفراغ يزول سريعاً إن هبّت رياح المحبة، ويختفي بلا رجعة حين تمتد يد المصافحة ويدوم العناق بين الأخ وأخيه. أيها الموهوم بمجد الخيانة أحذر حفرة العار ما من مصير لمن يشعل الفتنة سوى السقوط في النار ومن يريد معرفة شكل الفتنة، عليه أن يفتش أولاً عن الدجّال، وهو الذي يجمع من حوله الجهلة وقطّاع الطرق واللصوص ويخطب فيهم عن لذّة القتل، ويمجدّ في عيونهم الظلام والعتمة، ويزيّن لهم حلاوة الانتقام من الذات. ومن يريد قطع لسان الفتنة، عليه أن يكمم منابرها، حين يصعد على هذه المنابر الكّذاب والخائن والمدسوس، فيصيرُ الكلام كله نشيد حقد، وتتلوث المعاني كلها بزفير الكراهية. ومن يريد أن يطفئ الفتنة، عليه أن يواجه من يغذونها في السرَّ، ومن يطعمونها بالبارود ويستلذون برؤيتها وهي تكبر مثل برميل من العفن. لا يقتل الفتنة سوى بتر فتيلها، ولا يدحرها سوى قطع اليد التي تُشعلُ النار قرب هذا الفتيل. أيها المخدوع.. يا شقيقي كيف تصدّق الكذّاب حقيقتنا واحدة لا تتجزأ وإن تفرق معناها في ألف كتاب تولدُ الفتنة على شكل نبتٍ خبيثٍ في عتمة القلوب الحاقدة، وتكبر حين يخوض أصحابها في مستنقع الجهل، لكنها تموتُ سريعةً إن خرجت في الضوء ولامستها أشعة شمس الحقيقة والصدق. ذلك لأن ما يولد في النور يكبر في النور، وما يولد في الظلام لا يكبر إلا في الجحور. لم يحدث يوما أن أفلح المنافقون في تفريق قلبين صادقين. والنميمةُ، وإن انتشرت في الوشوشات والهمس، لا تجد من يصغي لها سوى أولئك الذين زعزع الشكُّ حبهم للأرض والوطن. ما أجمل الناس في هذا الوطن فليحمنا الله من شر الفتن akhozam@yahoo.com