في هذا الشهر، شهر شوال، سنرتاح من العصبيين والمتهورين والذين يسهرون ولا يهجعون والذين يجوبون الشوارع بمحركات أشبه بهدير الزلازل.. في هذا الشهر لن يجد البعض العذر للسهر، لأن الدوام الوظيفي في المرصاد والساعة السابعة تدق أجراسها في الأذهان وعقاربها تقرص شوائب الرأس ولا مجال للرعي والسعي بلا معنى ولا دليل.. فالذين أهدروا أيام الشهر المبارك في الذهاب والإياب في البطحاء والشعواء، الآن لن يجدوا هذه الصحراء الواسعة التي كانوا يخوضون فيها معاركهم العشوائية، بلا هدف ولا سقف.. الذين فرطوا في قدسية الشهر الكريم ولم يعطوه حقه في التأمل والتبتل وأداء الواجبات الإنسانية في هذا الشهر، سوف يجدون أنفسهم أمام واقع عملي يرغمهم على الجلوس في بيوتهم وتوسط أفراد العائلة والتفكير بعمق فيما ضاع من زمن وما يجب أن يفعلوه في الزمن الراهن. في شهر شوال ربما يسكت صوت الضجيج وتعود الرياح أدراجها ويهدأ الطوفان وتنتهي الفوضى إلى حالة سكون فيها منفعة للناس وفوائد للأسر التي ضاع منها بعض شبابها في شوارع اللهو والعبث.. نقول ربما يحصل ذلك ونتمنى أن يحصل لأن البعض فهموا أن قضاء ليالي الشهر الكريم تحتمل كل هذا العبث والسلوك الرث، فضاعوا وضيعوا وساروا في طرقات شائكة وطرقوا أبواباً مربكة ما جعلهم يستدعون الحكايات بسرد أبله لا معنى له.. في هذا الشهر سوف تعود المراكب من سفر طويل كانت موجاته عالية وبحاره خطرة وغاياته مدلهمة ولياليه مكفهرة وأيامه تغط في نوم عميق في البعد السحيق من الأخلاق الهشة. في هذا الشهر نرجو أن تهدأ النفوس وتسكن الرؤوس وينتبه البعض إلى أيام العمل، لأن الوطن الجميل يحتاج إلى نبل الأخلاق وإلى قيم جديدة تضاهي قيم مجتمعنا وتؤكد معاني التقاليد الاجتماعية الرائعة.. في هذا الشهر سوف يتطلب من الكثيرين أن يطووا سجل الأيام الماضية ويدخلوا دورة العمل بنشاط وجدية وانضباط، لأن وطننا بحاجة إلى عقول أبنائه اليقظة وإلى ضمائرهم الحية وإلى قدراتهم الفائقة وطاقاتهم الإيجابية المتألقة.. لابد أن يستيقظ الكثيرون من غفوة النشاط اللامبالي وأن يعتبروا من الزلات والهفوات، فرمضان جاء لكي يحيي النفوس ويحثها على العمل، وإذا لم يكن البعض فعل كل ذلك لأغراض وأمراض النفوس، فإن شهر شوال لن يتراجع عن قراره في التحفيز والحث والدفع بالتي هي أحسن.