احتفى الأديب الجميل جمعة اللامي بمجموعته القصصية الأخيرة «اليشنيون» كإصدار أول يولد بمستشفى والكاتب على فراش الحياة؛ لأن مثله لا يمرض له قلم ولا فكرة. يوجز في زمن ما يسري في قيمه وفكره من حروف تضيء زمنه وتضع في المكانة الرائدة. ويعتبر اللامي ذا قيمة إبداعية عالية ليس بالإمارات وحدها وإنما يمتد هذا الإبداع إلى سائر الوطن العربي، بوصفه أحد أميز الكتّاب والصحفيين الذين أسسوا للثقافة المتزنة والراقية. لم يعجز المرض الكاتب، وها هو يواصل إبداعه الذي بدأ بروايات تاريخية ممتشقة أحياناً السيرة الذاتية، وهي تدق ناقوس البهاء في الثقافة العربية، ويبدو هذا الإبداع الأجمل في إنجازه الأخير، وهو يميل بعيداً عن حيز السرير والغطاء الأبيض، فأحال المستشفى لكي يصبح لقاءً أدبياً احتفائياً بالمجموعة القصصية، حضره الأطباء والكادر الطبي كإجراء غير معتاد. وها هو الكاتب أينما يحل يصبح إضاءة ثقافية، يطرح آراءه وتصوراته ومنجزه بما يشبه الخيال، فالصورة الإبداعية ليست هي وحدها المتخيل في مجمل الكتابة، وإنما ما يفوق الخيال هو منجز الكاتب أينما حلّ في الحياة. الكاتب دائماً حرّ بجناحيه وروحه المبدعة تتجسد في فكره، يحلق بها في سماء أزلية متحررة من طوق الحجر، وبهذا يتجاوز الكاتب المكان والزمان في أول إصدار له بالمستشفى. ولجمعة اللامي إصدارات جميلة تفوق الوصف، جلها كتبت خلال حياته بالإمارات التي يعتز بها مثلما يعتز بعروبته وبوطنه، الذي يهمه أن يبقى شامخاً ومتأصلاً ومتحرراً من الضبابية الفكرية والقيم البالية، فمنذ عرفته وهو يسهم بصدق في ثقافة الإمارات، بل كان من أسباب تشكل الحركة الثقافية فيها من خلال الملاحق والصفحات الثقافية التي أسهم فيها إسهاماً جميلاً، فبرز اسمه وقلمه على سطورها، وأشرف على كثير من المواهب والمنابر، وبمثابرته الحثيثة استخرج أجيالاً من المثقفين والكتّاب وأحاطتهم بعنايته، فمثله لا ينسى على سرير المرض. وحين شاهدت المقطع الذي بث من إحدى القنوات الفضائية، وهي تستعرض إصداره الأخير، وهو محاط بأصدقائه الأطباء والممرضات عتبت على نفسي أولاً ومن ثم على المجتمع المثقف، إذ كيف لنا أن نبقى بعيدين كل هذا البعد عن قامة جميلة مثل هذا الأديب المتجدد والمعاصر لكثير من الكتابات والتجارب والمنجزات الثقافية.