الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سليمان الجاسم: هذه وصفة نجاح الثقافة في الفجيرة

سليمان الجاسم: هذه وصفة نجاح الثقافة في الفجيرة
5 مارس 2014 21:30
حديث الباحث والأكاديمي الدكتور سليمان الجاسم عن الفجيرة يلخص تجربة عقود من الزمن، فالرجل عايش مختلف الأجيال، ومراحل مختلفة من تاريخ الفجيرة، قبل وبعد الاتحاد، حتى أنه خبر دروبها، وعرف مسالكها المتعددة إلى أن أصبحت على ما هي عليه اليوم. وربما كان هذا اللقاء مع الدكتور الجاسم هو حديث الذاكرة التي عشقت المكان وتفاعلت معه بكل مكوناته أكثر من أي شيء آخر، لكنه يستعرض الماضي وتفاصيله ويبحث في نفس الوقت عن حلول وآليات لتطويره وتحقيق الأفضل، خدمة للأرض التي أنجبته والأهل الذين حفظ ودهم، والمدينة التي أحبها منذ نعومة أظفاره. الموسم الثقافي أسأل الدكتور سليمان الجاسم عما تحتفظ به ذاكرته حول العمل الثقافي في إمارة الفجيرة خلال العقود الماضية، فيقول: في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات كانت المبادرات الفردية هي التي تسطر مسالك العمل الثقافي، كانت الطرق وعرة، والطبيعة قاسية والحياة صعبة إلى أبعد الحدود، ومع ذلك كان هناك درب للثقافة بتوجيه من صاحب السمو حاكم الفجيرة، لتنشيطها، وكانت المبادرة الأولى في عام 1976 من خلال الموسم الثقافي الذي كان عبارة عن لقاء موسمي يستقطب المفكرين والأدباء والسياسيين، بالتنسيق مع وزارة الإعلام والثقافة وديوان الرئاسة ووزارة الخارجية، حيث نقوم باستغلال وجود الزوار الرسميين للدولة ليقدموا المحاضرات والندوات والحوارات، وقد وجدنا التجاوب الكبير لتعويض العطش المعرفي آنذاك في الفجيرة، خصوصاً والمنطقة الشرقية عموماً، وكل ذلك خلق بذرة التنوع الثقافي والحرص على البناء والتأسيس للفعل الثقافي في إمارتنا، فالموسم الثقافي كان يدوم 14 يوماً ننتظرها بكل شغف للقاء الشخصيات التي كنا نسمع عنها، وقد زارنا عدد كبير من الزعماء والمفكرين والأدباء مثل ياسر عرفات، يوسف إدريس، أحمد حسنين هيكل، مانع سعيد العتيبة، أحمد خلف السويدي وقيادات عالمية من مختلف البلدان وفنانين في المسرح والسينما، فيكون للحوار معهم طعم آخر، ولقد فتح كل ذلك المجال واسعاً لآفاق الحوار والقراءة وحب الاطلاع في فترة مبكرة، وعمق الاستعداد لخوض الغمار الثقافي بكل ثقة في النفس. ويواصل الدكتور سليمان حديثه: طبيعة المنطقة ساهمت أيضاً في خلق التفاف الشباب خصوصاً وكافة مكونات المجتمع لمتابعة الأنشطة الثقافية، فكلما كانت هناك ندوة أو لقاء عجت القاعة الكبرى بالديوان الأميري بالمتابعين. فالفجيرة الهادئة والصافية والنقية والتي تحاذي البحر الشاسع، وتتوسد الجبال تساعد طبيعتها تلك على الثقافة، فللبيئة أثر مهم في حياتنا وتحديد اختياراتنا. ويسترسل الدكتور الجاسم: في النصف الثاني من السبعينيات كان ترسيخ مفهوم الاتحاد في النفوس أولوية، ضمن الطروحات الثقافية والاجتماعية التي أخذت دولة الاتحاد على نفسها أن تنهض بها. المسرح له تاريخ أما عن النشاط المسرحي، فإن الفجيرة كان لها باع في هذا المجال من خلال تأسيس مسرح الفجيرة الوطني عام 1977، وقد قدم العديد من العروض المسرحية في الإمارة وخارجها، واستضاف العديد من الفرق المسرحية، لعل أبرزها مسرحية «كاسك يا وطن» لدريد لحام، حيث اكتظت قاعة الشباب والرياضة بجمهورها. ويستنتج الدكتور سليمان أن هذه المحاضرات واللقاءات والعروض خلقت حراكاً ثقافياً مهماً، ووجدت التجاوب الكبير من قبل صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي حاكم الفجيرة، الذي دعم مثل هذه الفعاليات، وشجع على انعقادها، كما وجه مركز الفجيرة الثقافي باستدعاء الفرق والفنانين في الثمانينيات، بعد أن اكتسبت تجربة الفجيرة الثقافية المزيد من النضج والتنوع، وقد استفادت من أنشطة إمارة الشارقة في المنطقة الشرقية (كلباء وخورفكان، ودبا الحصن). وأسأل الدكتور الجاسم عن الدور الذي لعبته المؤسسات التربوية في تكوين الناشئة وتعويدهم على النشاط الثقافي؟ فيؤكد أن المؤسسة التربوية كان لها دور بارز من خلال الأنشطة الثقافية الموسيقية والمسرحية، ولكن هذا الدور للأسف الشديد تراجع في أيامنا هذه، أمام المراكز الثقافية والمسارح التي سحبت من تحتها البساط، فأصبح دور المدرسة مقتصراً على التعليم دون سواه، وكنا نتمنى أن ينمى هذا الجانب، لكنه يحتاج اليوم إلى خطة متكاملة للتأسيس الجاد لمدرسة تربي وتثقف في آن واحد. المكتبة مطلب ملح إن جيل اليوم، برأي الدكتور الجاسم، بحاجة إلى مكتبة بوسائل تكنولوجية حديثة وبنية تحتية محيطة بها من خلال «كوفي شوب» ومسرح ووسائل ترفيه، وقاعة للندوات ومواقف سيارات، وهو ما يتيح للشباب التعاطي الإيجابي مع المكان بكل تفاصيله كفضاء يستقطب ويحقق التواصل الإيجابي والفاعل. وعلى وزارة الثقافة وتنمية المجتمع أن تضطلع بهذا الدور، لتنشيط المراكز الثقافية، وتضع التمويل اللازم لتغطية تكاليف البرامج وتمويلها. ويواصل الدكتور سليمان قوله: في فترة السبعينيات والثمانينيات دخلت على مجتمعنا أفكار ظلامية تقوم على التطرف والتعصب الديني، وللأسف الشديد وصلت هذه الأفكار الهدامة إلى المؤسسة التربوية، وأفرزت مجموعات تحارب التنوير والانفتاح، وخلّفت عدداً كبيراً من المنغلقين على ذواتهم والذين أثروا سلباً في بنيتنا الاجتماعية القائمة على التوازن والاعتدال، ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى تجاوزها وعندنا الاستعداد والقابلية والبيئة لنصلح بعض ما أفسده بعض المحسوبين على الدين الإسلامي الحنيف. مقترحات للتفعيل وعن مقترحاته لتفعيل العمل الثقافي اليوم، يشير الدكتور الجاسم إلى أن التأسيس لمنظومة ثقافية جادة وفاعلة يقوم أساساً على سبر آراء مختلف فئات المجتمع، لاستكشاف أغوار الناس ومعرفة رغباتهم ومطالبهم وكيفية تفكيرهم وإلى ماذا يتطلعون ويطمحون، ومن خلال نتائج ذلك يمكن وضع الخطط الكفيلة بتأمين مستقبل ثقافي للأجيال، فاستقصاء حاجة الناس ضرورية ومن ثمة التوجيه إلى تنفيذ هذه الرؤى. فإذا أردنا تربية جيل بطريقة سليمة علينا أن نعرف رغباته عن قرب، فنحن في دولة الإمارات فضاء للتنوع، ولا بد أن نحسن التعايش مع التنوع ونحافظ على هويتنا وننفتح على الآخر بمقدار، إذ لابد أن نتجاوب إيجابياً مع من يختلف معنا دون أن ننسلخ عن ثقافتنا وتاريخنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا. كما أن هناك الكثير من الموروث الذي يكاد يختفي، والمطلوب منا توثيقه بطرق علمية ففيه حكايات من ماضينا وأهازيج وقصص لا بد أن نحفظها بجمعها وتسجيلها من الكنوز البشرية التي لا تزال تعيش بيننا، ولم لا نطورها في قالب عصري يكتب لها الديمومة؟. وطرحت على الدكتور الجاسم مسألة سحب البساط التي تقترفها وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت من أمام الثقافي الصرف عند شباب اليوم، فيؤكد محاوري أن استخدام الوسائل التكنولوجية بطريقة عقلانية وصحيحة ضروري، فالثورة المعلوماتية والانفجار الحاصل سحب نحوه الكثير من الانغماس فيها، لكن اليوم لا بديل عن الكتاب والمكتبة والمراجع العلمية، لأن شبكات التواصل الاجتماعي ستظل تعطي ومضات فقط، لكنها لن تعطي الزخم المعلوماتي الذي يحتاجه قارئ الكتاب من معلومة ومن رائحة الورق، من لمس الورق، إن الكتاب في اليد يرسخ حالة استثنائية ويؤكد علاقة وطيدة جداً بإمكانها الرسوخ، أما معلومة (النت) فإنها استهلاكية عابرة،. القلعة كفضاء ثقافي وعن مقترحاته لاستغلال الفضاءات التاريخية في إمارة الفجيرة، يقول الدكتور سليمان الجاسم: أتمنى أن أرى قلعة الفجيرة بموقعها المتميز وتصميمها الجذاب وما صرف عليها من أعمال الترميم، وهي المنتصبة على ربوة يلمحها الزائر من النظرة الأولى، وقد أصبحت فضاء للمهرجانات التي تدور حول فضاء القلعة، إضافة إلى حفلات موسيقية على غرار ما هو حاصل في جرش وبعلبك وقرطاج، حيث يستغل الفضاء ليكون مكاناً للفعل الثقافي الذي بإمكانه أن يحقق المزيد من الإشعاع لإمارتنا، والأمر لا يحتاج إلا لمدرج يجمع شمل الجمهور في الحفلات الموسيقية والمهرجانات، ومن هنا، فإن وزارة الثقافة وتنمية المجتمع لابد أن تستغل مثل هذه الأماكن لتساعد على الترويج السياحي للإمارات، كما أن عليها أن تدرب عدداً من طلبة المدارس ليصبحوا سفراء سياحة للترويج لمعالم الإمارة، ويكون هؤلاء بمثابة قادة يتم إعدادهم، وتدريبهم ليكونوا نواة للنشاط الثقافي والفكري والسياحي. المعرفة في الفجيرة أما في المجال المعرفي، فيقول المدير السابق لجامعة زايد: لقد سمحت الدولة بتعميم التعليم العالي ومشاركة القطاع الخاص، والفجيرة بيئة ممتازة جداً للطلاب الخليجيين والآسيويين، وبإمكانها أن تكون وجهة تعريفية تعليمية، ومن هنا لابد أن نشجع الجامعات الخاصة لنجعل من الفجيرة مركزاً ثقافياً ومعرفياً، من خلال مدينة جامعية متكاملة، ومن خلالها تكون الأنشطة الفكرية والثقافية، ما يخلق بؤرة عمل ثقافي في الإمارة عموماً، نحن في أمس الحاجة إليه. ويلاحظ الدكتور الجاسم أن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع التي يوجد على رأسها معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، بإمكانها أن تكون فاعلة ومنشطة ومؤثرة في الجانب الثقافي والفكري والمعرفي، وهو يملك رؤية لأن تضع الوزارة نشاطها في كل مدينة من مدن الدولة، وتفعل من خلال الدراسات والبحوث والأنشطة، وسيلاحظ الجميع أن الفترة القادمة ستحمل الكثير من التغييرات نحو تفعيل دور الوزارة على الساحة المحلية، هذا إلى جانب الاهتمام من قبل أصحاب الشأن بالمعالم والرموز في دولة الإمارات، ففكرة إحياء مهرجان قصر الحصن في أبوظبي تلهمنا اليوم التفكير في برامج تشمل حصن الجاهلي بالعين، وحصن نايف بدبي، والحصن القاسمي بالشارقة، وقلاع رأس الخيمة، وقلعة وحصن الفجيرة، وقلعة البثنة، والحيل، وغيرها، ولا يكون ذلك إلا بالزيارات والبرامج والأفلام القصيرة والمسابقات ومن خلال إدراجها ضمن برامج التعليم، إذ لابد أن يكون لها حضورها القوي في ذاكرة الناشئة والشباب بطرق علمية. سيرة علمية ومهنية تقلد د. سليمان الجاسم مناصب ومسؤوليات في العديد من المجالات، منها المجال التربوي والتعليمي والسياسي، بالإضافة لمسؤوليات مختلفة في المجال الاقتصادي والتجاري والثقافي، منها: رئيس سابق للاتحاد التعاوني الاستهلاكي، عضو مجلس أمناء هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية (تنمية)، عضو مجلس إدارة بنك الفجيرة الوطني، عضو المجلس العلمي لكلية الشرطة، وعضو الهيئة الاستشارية العليا للمعهد العربي للتخطيط، نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية. كما عمل في الجانب الإعلامي والصحفي كمدير تحرير وكاتب، وهو مؤلف مسرحي، وباحث، ومحاضر. قدم العديد من المحاضرات وأوراق العمل في المؤتمرات والندوات المحلية والدولية، وتعلق جزء كبير منها بمواضيع التعليم وتنمية القوى العاملة والتركيبة السكانية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©