أتساءل، وأنا أتابع انزلاقات بعض الكتاب الرائعين، الأشخاص المثقفون، الذين يقرأون كثيراً، ويعرفون كثيراً، ويكتبون بمحبة وصفاء حرفاً عن الانتصار للحياة والمحبة والخير والموسيقى والجمال والحرية: كيف يحصل وينجرفون في فترة من فترات حياتهم إلى دهاليز السياسة الملوثة بالعفن؟ ألا تكون الثقافة العارفة حاجزاً نفسياً لصاحبها عن السقوط في هكذا فخ؟ المشتغلون في السياسة أشخاص لديهم أجنداتهم خاصة كانت أو حزبية، ماذا يفعل بينهم مثقف مرهف أجندته الوحيدة إنسانية؟ يحركه الجمال وتعتاش روحه على منظر وردة تتهادى في نسيم خريفي شجي؟ كيف يتسق هذا وذاك؟ بأي روح يذهب إليهم؟ هل يترك روحه الشاعرة في البيت ويذهب إلى أتون السياسة بروح صلده موائمة؟ فهل إن شدة انغماسك في الجمال قد يجعلك ترغب في تجرب تذوق القبح. إن التشبع بالحياة يجعلك تفتش عن الموت كي تعاود الإحساس بالحياة، أم هل إذا قرأت كثيراً جداً، واطلعت على كل مشارب المعرفة الإنسانية، تصير معرضاً، بسبب فخ السأم، للانكفاء إلى مستوى الفرد العادي الذي عاش حياته أحادي الفكرة؟ هل تمر بك فترة تريد أن تختبر شوق أن تكون مثله؟ الشوق كي تحس بمشاعر رجل عادي ينتصر في جعجعة سياسية؟ إن الذهاب والعودة من رحابة الفكر إلى ضيق الفكرة أمر وارد بديهي وطبيعي ويمكنك أن تجربه وتعود منه دون خدوش؟ هل حين تمتلئ ثقافة وعلماً ومعرفة تصاب بالتململ من ذاتك المفعمة فترغب بإفراغها قليلاً في صحبة الفارغين كي تحتمل كل ذلك الثقل المعرفي في فؤادك؟ هل تذهب إلى دهاليز السياسة العفنة لتعالج قلق فؤادك؟ فتريد أن تكون شخصاً عادياً مثل كل هذه الجماهير الغفيرة التي حرصت طوال حياتك ألا تكون منها؟ هل تفتقد ضجة الجماهير في عزلتك الاختيارية؟ أم هل تظن نفسك، الآن وقد غرفت من نور المعرفة، أنك قد تحصنت وصرت منيعاً ويمكن أن تندمج دون أن تتماهى؟ هل تظن أن الأمر مزحة؟ أم أنك مؤمن بجديته حقاً؟ وكيف يصح ذلك وأنت نصير المحبة في أساسك؟ هل تخليت عن صفائك للحظة؟ هل أنت أكثر الأشخاص بؤساً؟ وهل بؤسك هذا ضروري لينتجك كما أنت فتنتج أعمالك النثرية تثري بها المكتبة الإنسانية؟ إن كان الأمر كذلك، ألا تكون قد فشلت برغم كل جهودك الفكرية، وانتصر عليك رجل بسيط قضى العمر يسقي شجرة؟