أريد أن أكتب عن الشجرة الوارفة التي أراها من زجاج نافذة مكتبي، أريد أن أصف حركة أوراقها الراقصة وتمايل أغصانها مع نسائم ريح خفيفة، وعن الشعور الذي تخلّفه في الرائي عن هدوء الحياة، وسمو الريح ورقي الشمس، أريد أن أتكلم عن حركة ظلال الستائر على نافذة غرفتي والخيالات التي تخلقها، أريد أن أحكي قصة وردة، وألق نجوم، وسماوات واسعة وغيوم صديقة وأمطار رفيقة، وشمس تشرق، وأخرى تغيب وأقمار في ليل دامس، ونهارات جديدة، وبقايا من كلام شاعري عن الطبيعة والإحساس بها على خلفية صوت فيروز النديّ. ولكن تقع عيني على صور. صور كثيرة. لجثث تحت أنقاض، جثث مقيدة قبل أن تُقتل لكي تذبح مثل نعاج في مسلخ. وصور لمخيمات يلجأ إليها ناس كثيرون، أطفال حفاة بوجوه مغبره جائعة متعبة، وأمهات يسقين أطفالهن من دموعهن لكيلا يموتون عطشاً، أعداد مهولة من البشر وسط دمار شامل يصطفون في طوابير طويلة بانتظار كسرة خبز من منظمات الإغاثة الدولية. وأقول إن العالم طيب، ففيه منظمات إغاثة، وهذه إشارة جمالية يجب أن تعيدني مجدداً للتبتل في محراب الطبيعة؛ ثم أعود، وأقول ولكن هذا العالم ذاته، هو من سمح بالدمار واللجوء، وخلق ثقافة منظمات الإغاثة رفعاً للعتب؛ كمن يقتل الآباء ليحصل على أكبر عدد ممكن من الأيتام يُحسن إليهم، ويمسح على رؤوسهم تكفيراً لذنوبه. من أين تأتي مصائب الكون؟. يميل البعض لتبني التوجه الروحاني والاعتقاد بأنها دورة حياة الكون الطبيعية، فعلى مدى التاريخ سقط الإنسان في أفخاخ الظلام، وإن فترة حياتنا هذه هي الفترة الأحلك، أوهي ما يُسمى بفترة الظلام الدامس في تاريخ البشرية، وبما أن الظلام الأكثر سواداً يكون قبيل الفجر، فهذه بشارة بقرب انزياح الظلام، وبزوغ فجر العالم الجديد ليرتقي الإنسان مجدداً في نورانيته، فيستعيد طاقات الخير المعطلة ليقضي على الشرور جميعها وينتصر معلناً ولادة إنسانية جديدة نظيفة غير ملطخة بالآثام الدامية الكثيرة. ويحيل البعض الآخر، الأقل روحانية، المسألة برمتها لخطط يتم تدبيرها في الخفاء في دهاليز مغلقة من قِبل منظمات ماسونية، هدفها إبقاء السيطرة على العالم في أيد أفراد معدودين تربطهم مصالح تاريخية مشتركة، وبالتالي لا خلاص إلا حين ترى هذه الأيادي الخفية أن خير العالم يمكن أن يكون مصلحة مشتركة أيضاً. وبين بشارة النور وهيمنة الماسونية، يختار الفرد مهدّئه الفكري الخاص ليريح الضجيج في رأسه، ويمنحه نافذة للفهم يستطيع من خلالها أن يرى تفسير الأشياء وأسباب الحدوث فتنقشع الغمامات السوداء عن السماء فوق رأسه المثخن بالحيرة ليمكن له أن يستمر في حياته الخاصة ويعمل على تعمير أركان حياته الفردية القائمة على ركائز قوية من الفهم. الفهم مهم جداً، لا يمكن أن نستمر دون أن نفهم. كيف أستطيع أن أرسم شجرة، وأنا لا أفهم لماذا قُتل طفل، ولماذا يظل قاتله حراً طليقاً في ملابس نظيفة مكوية بعناية كأنه شخص عادي محترم مدعو لحفل عشاء على شرفه!. أحتاج أن أفهم فقط «لماذا»، لأتمكن من رؤية الشجرة مجدداً. Mariam_alsaedi@hotmail.com