أزمات العصر وكوارثه تحتاج إلى وعي، وتحتاج إلى يقظة، وتحتاج إلى هبة تشمل الجميع، حكومات وشعوباً، ولأننا نعيش عصر الأنوار والأدوار العلمية فائقة التصور، فإن الجلوس على تلة التأمل، وقراءة الكف والبحث عن منجمين يطالعون ما في الغياهب، كما أنه لم يعد بالإمكان انتظار آلهة الشمس أو القمر أو المطر، أن تخفف عنا متاعب الطوفان والدوران والغثيان الطبيعي، فنحن في عالم يخترع أدواته ويدير حياته بفعل يفكر ويتبصر ويتدبر، ويبحث عن أهم السبل لدرء المخاطر وحفظ المقدرات البشرية من الزوال، والاندثار تحت سنابك الغيظ الطبيعي، ولأن معطيات العصر تقدم لنا أحد ما قدمه العقل البشري من أدوات النجار من نار الخراب واليباب، فإن من الواجب على الإنسان في المجتمع الواحد، حكومة وشعباً، أن يصبا رحيق الإرادة في وعاء الوطن لحمايته من أزمات تطرأ وأخرى تتحرَّك باتجاه الحدوث، فلا يمكن للإنسان أن يبقى في موقف المنتظر وأن يعيش ردَّة الفعل فحسب، بل من الضروري أن يكون هناك فعل بشري يسبق فعل الطبيعة. فاليوم، الحروب والاضطرابات إلى جانب الهزّات الطبيعية من زلازل وفيضانات، كلها تؤدي إلى تدمير ما بدأه الإنسان وما اجتهد لأجل بنائه وتعميره، ولا يمكن لهذا البناء، أن يصمد ويستمر من دون أطواق النجاة والحماية التي تقدمها الحكومات والشعوب، للحفاظ على هذا المنجز الحضاري، وجعل الإنسان يعيش في مأمن من الأخطار والكوارث .. وحتى تنجح هذه المعادلة فلا بد، من توافر رصيد قوي من الإرادة الواعية، ومن تراكم خبرة، إثر تجارب سابقة عايشتها الإنسانية، لا بد من الخروج من شرنقة التأمل إلى حقل العمل، والبذل بكل شفافية وحرية وصدق وإخلاص، فالشعارات لا تخدم للود قضية، والتصريحات لا تؤدي إلى عبور البحار الساخنة، والانفعالات لا تطفئ حريقاً، والمشاعر الفياضة لا تدفئ جسداً ملتفاً بشرشف الفقدان، والأحلام لا توقظ نائماً على رصيف عارٍ لتضعه على الأرائك المخملية، والدموع لا تغسل دماً مسفوحاً على رصيف الكراهية، والصرخات المدوية لا تجدي أمام الرعود القاصفة والبروق المتعسفة والهطول المفرقة، والطوفان المهلك، كل ذلك لا يفيد، إلا نفرة المخلصين وهبّة الصادقين ووثبة الجياد الواعية. Uae88999@gmail.com