شيعت المملكة العربية السعودية الشقيقة وسط حضور خليجي وعربي كبير الأمير سعود الفيصل، الرجل الذي تربع عرش الدبلوماسية السعودية لأكثر من أربعة عقود، شهدت خلالها منطقتنا الخليجية والعربية والسياسة الدولية أهوالًا جمة وعواصف عاتية. اختفت دول وظهرت أخرى على خارطة المسرح الدولي، وكان «أمير الدبلوماسية» وسطها شامخاً صلباً وفياً لمليكه ووطنه وقضايا أمته. الوقت الذي أمضاه محلقاً في الأجواء تفوق بأضعاف مضاعفة أوقاته خلف المكاتب. دبلوماسية «الاستاذ» كما قال عنه في رثائه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، خلفت منهاجاً في العمل جوهره الإخلاص والدأب، سمتا «رجل الهمة» كما وصف سموه الأمير الراحل عندما أجبرته ظروفه الصحية على طلب إعفائه من عمل كان يعشقه ويحبه، يؤديه بكل تفان ووفاء على حساب صحته ووقت عائلته. كان «أمير الدبلوماسية» في كل محفل ومنبر صوتاً للحق منافحاً عن العروبة والإسلام وقضايا الإنسان في كل مكان، بارعاً بقوة الإقناع والمنطق في حشد الصفوف للانتصار لقضايا المنطقة وشعوبها. لمسنا مواقفه الصلبة في محطات هائلة من عواصف وتحديات مرت بالمنطقة، ولعل أبرزها الحشد الدولي لاستعادة الكويت من الجار الغازي، ودعم الشرعية في البحرين وأخيراً في اليمن، وغيرها من المحطات التاريخية والمفصلية لهذه الأمة وحظها العاثر بين الأمم. وكان لافتا المحبة الغامرة للأمير الراحل والمكانة الرفيعة التي نسجها في قلوب الناس في الخليج والوطن العربي ممن تابعوا مسيرته الدبلوماسية الحافلة، وهم من غير رجال السياسة. وعبرت عن نفسها في مواقع التواصل الاجتماعي التي اشتعلت بصدق مشاعر الحب والوفاء، ما أٌعلن عن وفاة الأمير سعود الفيصل، وهي تنعي «أمير الدبلوماسية»، لأنهم كانوا يشعرون به صوتاً معبراً عن قضاياهم وتطلعاتهم نحو مستقبل أكثر ازدهاراً واستقراراً لمنطقة ما انفكت الغيوم السوداء تحيط بها من الحاقدين والطامعين ممن أوغر صدورهم ما تحقق لهذه المنطقة وشعوبها من أمن وأمان ورخاء وازدهار بفضل من الله وحكمة قادتها، وهي الحكمة التي صانت تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية من العثرات والكبوات، وساهمت في استمرارية المسيرة رغم كل الصعوبات الهائلة والتحديات الجسيمة. رحم الله سعود الفيصل رجل المواقف. وجزاه خيراً عما قدم لأمته، وخالص العزاء لأهلنا في المملكة.