عاصمتنا الحبيبة باتت مدينة لا تنام، فمن زار أبوظبي قبل سنوات، يدرك حجم التحولات والتغيرات التي شهدتها ووفرت معها خدمات على مدار الساعة، بعد أن كانت المحال التجارية والمطاعم تغلق أبوابها عند العاشرة مساء على أبعد تقدير. هناك بالفعل خدمات تتطلب أن تكون متوافرة على امتداد الـ 24 ساعة، وفي مقدمتها الصيدليات التي تنظم العمل فيما بينها وفق جداول المناوبة، وغيرها من الخدمات الضرورية والحيوية لبعض المراكز والجمعيات الاستهلاكية التي خاضت منذ سنوات تجربة العمل على مدار الساعة، ونتفهم أيضاً الحاجة والضرورة المبررة لها، ولكن ما مبرر وجود مقاهٍ للشيشة أو الإنترنت للعمل بتلك الطريقة؟. كنت أعتقد أن تلك النوعية من المقاهي قد أُغلقت أبوابها، خاصة بعد أن دخلت اللائحة التنفيذية لقانون مكافح التبغ حيز التنفيذ، إلى أن مررت بمنطقة في الخالدية، لأرى مقاهي الشيشة لا تزال تعمل، وأكثر منها أخرى للإنترنت يمتد نشاطها على مدار الساعة. والأخيرة موضوعنا، خاصة وأنها كانت لفترة طويلة محل شد وجذب بين أكثر من جهة، وتصدرت للأمر الشرطة المجتمعية في القيادة العامة لشرطة أبوظبي، بالتعاون مع البلدية، وغيرها من الجهات المعنية. فالعديد من مقاهي الإنترنت، سواء التي تعمل حتى ساعات متأخرة من الليل أو تواصله بالنهار، تحولت إلى ملاذ ومأوى للمراهقين الفارين من بيوتهم أو المتسربين من مدارسهم أو المتعطلين، يتجمعون في أماكن تتغذى على تشجيع روادها بشغل وقت فراغهم في الإبحار مع ألعاب العنف أو استعراض مهاراتهم في اختراق «البروكسي»، ونعرف جميعاً ما الذي يطلبه أمثال هؤلاء، ناهيك عن مواقع الدردشة غير البريئة، وسط سحب الدخان التي لا تعترف بوجود لوائح وقوانين تمنع التدخين في الأماكن المغلقة. ونقول غير البريئة، لأن من يعمل في النور لا يحتاج لتعتيم واجهات محله أو إقامة عوازل تفصل بين رواده، وغيرها من الديكورات المريبة. أما الإزعاج الذي يتسبب فيه رواد الهزع الأخير من الليل، فأدرى به دوريات الشرطة التي تمر بالمنطقة، سواء في جولاتها الروتينية أو استجابة لشكوى أحد السكان، ممن قادتهم الظروف لمجاورة هذه النوعية من المقاهي. أعود فأقول إن وجود خدمات تعمل في المدينة على مدار الساعة من الأمور الحسنة لفئات عدة من السكان، بحيث يمكنهم تحديد الساعات المناسبة لهم للتزود بتلك الخدمات، وبالذات الجمعيات الاستهلاكية التي يمكن للمرء التسوق منها في التوقيت المناسب له، وكذلك المخابز والصيدليات، ولكن مقاهي الشيشة والإنترنت تبرز أمامها الكثير من علامات الاستفهام حول الخدمة الحقيقية التي يمكن أن تقدمها للمجتمع، هذا المجتمع الذي تسهر أجهزته وتتكامل في أدوارها من أجل حماية النشء، وتحصين أفراده من الأخطار الناجمة عن التدخين، والأمراض القاتلة التي يتسبب فيها. الشرطة المجتمعية لديها تجربة رائدة في خدمة المجتمع والتصدي للظواهر السلبية والمضرة، وبالذات فيما يتعلق بحماية النشء. وكانت لها تحذيراتها المبكرة في هذا الشأن، ولكن اليد الواحدة لا تصفق، فالأمر بحاجة لتضافر جهود بقية الأطراف، وفي مقدمتها «التنمية الاقتصادية» والبلدية لإقناعنا بالضرورة التي تبرر وجود مقاهٍ للشيشة والإنترنت في مناطق سكنية، وتعمل على مدار 24 ساعة!!. ali.alamodi@admedia.ae