تلفت حولك أينما كنت، أينما توجهت، وفي أي وقت، منذ مطلع الفجر وحتى ما بعد منتصف الليل، في الطائرة، في السيارة، في المكتب، في قاعة الدرس، في غرفة المعيشة، في الشارع، في المترو، في السوق، على المقهى، على قمة الجبل، في مضمار المشي في الحديقة، أو على شاطئ البحر، ستجد المشهد يتكرر دون أي تغيير في الجوهر، جوهر الظاهرة، ما عدا الجوهر فهو ليس سوى تفاصيل، حيث لا يهم إن كان الشخص رجلاً أو امرأة، إماراتياً أو يابانياً طفلاً أو إنساناً كبيراً، عربياً أو أجنبياً، تظل هذه الفروق مجرد تفاصيل ثانوية أمام ظاهرة الانشغال بالتحدث عبر جهاز الموبايل أو إرسال المسجات واستقبالها، أو الاشتغال بعالم الفيسبوك وتويتر والانستغرام، الكل استقر في العالم الافتراضي ورتب أمور علاقاته هناك وطابت له هذه العلاقات. نظمت إحدى المؤسسات في اليابان حملة تحت عنوان «اقطع لتتواصل» بمعنى اقطع عملية الاتصال عبر وسائل ومواقع التواصل الالكترونية التي ما عاد الناس يصبرون عنها لمدة دقيقة، لتتمكن من رؤية من وما حولك ولتتمكن من التواصل معهم بشكل طبيعي، وبمناسبة هذه الحملة تم عرض فيلم دعائي أو توعوي يظهر أشخاصاً مستسلمين بالكامل لسيطرة أجهزة الاتصال الحديثة الشائعة: الموبايل، البلاكبيري، الكمبيوتر، الآيباد، الاي فون ، ... الخ ، فأياً كان المكان والظرف، فدائما ما يكون الشخص منشغلاً بالكامل بجهازه الذي بين يديه بينما لا وجود للشخص أو الأشخاص الآخرين الذين يشاركونه المناسبة أو المكان، لا وجود لهم في نطاق اهتمامه حتى وإن وجدوا فعليا في المكان. أمر محزن بالفعل، فالتواصل الإنساني يبدأ من منطقة الشعور بوجود الآخر، وبأهميته وبأهمية ما يقوله لنا وما يفعله أيضا وما يعنيه ويشكله لنا، فأن توجد في غرفة المعيشة في بيتك منسحبا الى جهازك النقال بالكامل بينما ابنتك ترسم في دفترها الصغير وبفرح ظاهر منظراً للبحر والشمس والقوارب، فأنت بالتأكيد غير موجود في المشهد وغير موجود خارجه تماما، لقد ظهر في الفيلم وبشكل رمزي بالغ الدلالة أن القلم يرسم من تلقاء نفسه إشارة الى أن الأب لا يرى ابنته تماما ولا يرى أي شيء آخر، إنه لا يرى سوى جهاز الآيفون الذي بين يديه، بينما بمجرد أن أغلق الهاتف ووضعه جانباً فإنه رأى ابنته ورأى كم هي حلوة ابتسامتها وكم هو خارق ذلك الفرح في عينيها وهي تنظر إليه تريد كلمة « الله ما أجمل ما ترسمين » لقد كان الآيفون حاجزاً كثيفاً بين الرجل وابنته. كان رجل آخر في الفيلم يسير بجانب زوجته في مساء بهي على شاطئ البحر منشغلاً بهاتفه النقال بينما تختفي هي تماما وتظل آثار أقدامها دلالة على عدم شعوره بوجودها، والمراهق يسير في طريق حقول خضراء في سيارة تتحرك لوحدها دلالة على أنه لا يشعر بوجود والدته وأخوته وقوس قزح المرتسم في الأفق لأنه منسحب الى عالم الجهاز الذي بين يديه. باختصار اقطع اتصالاتك الافتراضية قليلا.. لترى العالم وتتواصل مع من حولك إنها رسالة في غاية الأهمية. ayya-222@hotmail.com