على أيامنا وأثناء فصول الدراسة القديمة، كان الأساتذة يشتكون، ويبدون تخوفهم على اللغة العربية من ذيوع وانتشار اللهجات المحلية، وهو خوف جاء من المد القومي السياسي، وكنت أسايرهم لنقص في التكوين الثقافي، وقد أتحمس معهم، ولكن في وقتنا الراهن، ومع الوعي، وجدت العامية هي من ساعدت على حفظ العربية، وخاصة المحلية الأصيلة، لأنها تنتح من اللغة العربية، وجذورها، وقد يجد القراء مرات أنني أميل فيها للكتابة باللهجة المحلية، حينما أرى أن الموضوع له خصوصية محلية، ومن باب الواقعية، ويتطلب طرحه الخفة وروح النكتة أو الكوميديا السوداء الساخرة، حيث تكون الفصحى أو اللغة البيضاء للصحافة في نظري غير واقعية أو في غير محلها، كأن يتحدث مواطن عجوز مثل طناف أو عجوز، مثل عذيجه، فلا يمكنني أن أجري على لسانهما لغة متماسكة نحوياً، كلغة المثقفين، وغير التي يتحدثان بها في واقعهما وتكون من مفردات يومهما. وأحياناً أتطرق للكتابة بالعامية حين أريد أن أوثق بعض المفردات في اللهجة المحلية الغائبة أو التي نسيها الناس، ومعظمها له أصل وجذر عربي، ونظلم كثيراً العامية حين ننعتها أنها ضد اللغة العربية الأم أو الكلاسيكية، أستطيع أن أوكد من خلال تجربة التبحر في القواميس العربية المشهورة أن جل الكلمات في لهجتنا المحلية الأصلية ذات جذر عربي مبين. وللذين يعيبون علينا، وينغزون من قناة المحلية أقول: إذا ما كتب بعضنا أحياناً بالعامية، فلأنه يكتب من تمرس بالكتابة بالعربية، وتجاوز اللغة العادية، والسائدة إلى لغة أقرب للشعر والبيان والأدب، فالكتابة ليست من ترف، ولا من عوز، ولكنه من خبر العربية وغاص في أعماقها، فله بعض الحق أن يأتي العامية لأسبابه، ولموضوعية الطرح، وأتذكر هنا مثالاً معاكساً، لبعض الشعراء، حين أراد أحدهم أول ما أراد أن يقول الشعر، ولا ينظمه، طرق بابه القوي “الحداثي، وما بعد الحداثة” دون أن يمر أو يعبر بعض بحور الشعر، وليست كلها، هنا لا يستقيم الأمر. لغتنا العربية اليوم مهددة بفعل عوامل مختلفة، ولا أظن أن العامية أحد هذه الأسباب، وكما نصرخ بضياع العربية نصرخ بصوت أعلى علينا أن نجدد في العربية ونجعلها لغة عصرنا لا عصر غيرنا، وندمجها في التقانة الحديثة للأجهزة الألكترونية ولغتها، فالحرف العربي ضاع في بلدان كثيرة كانت تكتب لغاتها بالحرف العربي، واليوم انتقلت إلى أحرف لغات أجنبية، نحن لا نصرف على لغتنا غير الكلام والبكاء والتباكي، وغيرنا يفعل الكثير للغته، ويطورها وينشرها بين الشعوب، ونحن نعوج ألستنا كرماً لعيون الغريب، أما آن الأوان أن نشيد معهد للغة العربية على غرار،”بريتش كانسل للإنجليزية أو الآليانس فرنسييز للفرنسية أو معهد غوته للألمانية أو معهد ثيرفانتس للإسبانية”!. amood8@yahoo.com