كشفت دراسة نشرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، أن 80% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين ثلاث وست سنوات في الدول الغنية، يذهبون الى دور حضانة بسبب تنامي توجه النساء الى العمل، كما أكدت الدراسة التي وضعها مركز الأبحاث التابع لليونيسيف أن «الجيل الجديد اليوم هو جيل يمضي معظم أطفاله الجزء الأكبر من سنواتهم الأولى في مراكز خارج منزل العائلة»، وخلال العقد الأخير فقد عهد بأكثر من نصف الأطفال الذين لم يبلغوا عامهم الأول، لدار حضانة يمضون فيها ساعات طويلة أسبوعياً، حتى أصبحت الحضانة الشغل الشاغل للأبوين بمجرد أن يبلغ طفلهما عامه الثاني. إن النوعية الجيدة في الخدمات التي تؤمنها دور الحضانة، والتعليم الجيد يطوران قدرات الطفل اللغوية والعاطفية والاجتماعية وعكس ذلك يضر بنمو الأطفال الصغار، خاصة حين تغيب عناية الأسرة وتواجدها المستمر مع الطفل، من هنا تحاول هذه المجتمعات أن تقوم بعملية تعويض واضحة لهؤلاء الصغار، فالمجتمع الذي يكرس قيم الفردية ويحث على ضرورة العمل لابد أن ينظر بعناية شديدة للأطفال الذين تتركهم أمهاتهم كل صباح، ليلحقن بمقرات العمل الذي يسرق كل الوقت دون أن يترك لهن متسعا للعناية بصغارهن. في دول الغرب هناك معادلة اجتماعية مختلفة عما لدينا، ليس بالضرورة أن تكون معادلتنا أفضل أو أكثر استقامة، لكننا نتحدث عن سياقات اجتماعية متباينة، ارتكازا على عوامل لها علاقة بأنماط الحياة وطبيعة العلاقات الاجتماعية، هذه الأمور تجعل ترك الطفل بلا رعاية أسرية عرضة للكثير من الهزات والتأثيرات وربما التشوهات التي ستنعكس حتما على حياته فيما بعد، وهنا علينا أن ندرك أن النظرة الى القيم هي محصلة لمسيرة ثقافية طويلة لكل مجتمع إنساني، تشكل في نهاية المطاف شخصيته وسلوكه الجمعي والاجتماعي، وأن ما قد ينظر اليه بتقدير عال جدا في بعض المجتمعات تراه محل انتقاد واستياء في مجتمعات أخرى. في الإمارات أصبحت ظاهرة الأمهات العاملات والمتواجدات خارج البيت لدواعي العمل، منتشرة وأصبحنا نعاني منها كغيرنا من المجتمعات التي بدأت هذه المسيرة قبلنا، لقد بدأنا نقرأ عن تفكك أسري، وعن تأثير خروج الأم وعدم تواجدها في المنزل على سلوك الأبناء جسديا ونفسيا، فهم في البيت لكنهم معتزلون بصحبة أجهزة الاتصال، أو أنهم طيلة النهار في المدرسة وبقية اليوم مع أصدقائهم، ثم لا أعرف كيف تكون لدينا الجرأة للحديث عن مجتمعات محافظة ومتماسكة. إننا نتحدث عن ظاهرة وليس عن حالة أو حالات، لقد بدأ تأثير خروج الأم لدواعي العمل يؤتي ثماره ويهدد حالة التماسك ومختلف أنساق السلوك الاجتماعي الذي يميزنا كمجتمع عربي ومحافظ، خاصة أن مؤسسات العمل لم تصل حتى اليوم الى بنى قانونية تساعد المرأة العاملة على إيجاد التوازن المطلوب بين العمل، باعتباره قيمة إنسانية مهمة وبين الأسرة باعتبارها القيمة الأهم بالنسبة لها والعمل الأول الذي يجب أن تمنحه كل اهتمامها. في الغرب توصلت المجتمعات الى إيجاد هذه المعادلة بقوانين وإجازات أمومة طويلة تمنح المرأة حقها في العناية بطفلها في سنواته الأولى كما منحتها الكثير من الامتيازات الأخرى، مثل الحضانات الراقية ذات المواصفات العالية تربويا وتعليميا، مع آليات رقابة ومتابعة عالية المستوى وهذا ما نحتاج أن نعمل وبقوة في سبيل توفيره بشكل عام وللجميع، دون أن نضع تهديدا من نوع ما أو ضغطا إضافيا على المرأة. ayya-222@hotmail.com