هناك كتّاب مبدعون حقاً. مبدعون جداً. يكتبون على أطراف أرواحهم... بكل تجلّ، بكل ترفع عن كل ما هو أرضي ومادي. يكتبون كطير لم يسر يوماً على قدمين؛ بخفة وسلاسة وأريحية واحتراف وتدفق. يكتبون بثقة وعطاء وحب لكل ما هو إنساني وشفيف ومغوٍ بالحياة والحب والهوى. يخاطبون الذات الأصلية الكامنة فيك منذ كُنتَ نطفة وتحجّرت مع تراكم تكلسات الزمن وظننت أنك لم تعد تمتلكها فإذا بهم يمسكون القلم وبدفقة حبر يغسلون أعماقك ويخرجون جوهرتك الكامنة لتتألق وأنت تقرأهم فتستشعر خطاك ويتضح دربك وتحب نفسك التي لم تكن تعرف. هم يساعدونك على أن تجدك من خلال سعيهم الأصيل الصادق لإيجاد أنفسهم. للأسف هؤلاء الكتاب يتميزون بحساسية تمنعهم من الانتشار والتواجد؛ فلا هم يجيدون تسويق أنفسهم ولا هم يعرفون طرق أبواب الناشرين والمطابع، فلا تجد لهم في الأسواق كتباً مطبوعة ولا تجد لهم في الجرائد والمجلات نصوصاً منشوره؛ إنهم يسكبون دمهم فقط على «الفيسبوك» كوطن التجأوا إليه حين ضاقت بسعة أرواحهم الأوطان. يكتبون ولا ينتظرون أن يسمعوا التصفيق. عدوهم غرورهم بعدميتهم فلن يقترب منهم ناشر إلا وتعاملوا معه كتاجر بلا حس أدبي أو ذوق فني حتى ينتبذ منهم مكاناً قصياً ولا يعاود محاولة إخراجهم. وهم لا يهتمون؛ فهم ناقمون على الواقع الأدبي وحال الثقافة العربية، كارهون للتزلف الذي يكتنف الساحة، لإبراز أشباه المواهب وأنصاف الكتّاب، لذلك هم مصممون ألا يكونوا جزءاً من هذه المهزلة، يجلسون باسترخاء متكئين على جدار القمر يدخنون أرواحهم وهم يكتبون على جدار أزرق، كراعٍ وحيد وحالم يغني في البرية. هكذا نعم قد ينجون بأنفسهم، ولكنهم ينسون أنهم بموقفهم هذا إنما يكرّسون أشباه المواهب وأنصاف الكتّاب في المشهد الأدبي وأن اعتزالهم بقدر ما هو تواضع هو أيضاً غرور التواضع. الكتابة تغيير، والكتابة تحتاج لسكن، وسكنها بين ضفاف الكتب. الكتاب حين يجلس بين أقرانه في مكتبة يكون قد أوجد نفسه وأوجدك ككاتب وأوجد كلمتك التي ستوجد، مع سيرورة الزمن، التغيير الذي تُنشده حتى لو ادّعيت أنك تكتب لنفسك فقط. نحن نكتب لأننا نحلم بعالم أفضل. حياة أفضل، صبح أفضل، وأيام نعيشها ونحن نعرف أننا فيها نُحدث فرقاً؛ ومن هنا تبتدئ الحياة.