كل المشاريع المستحيلة بدأت بحلم أو بفكرة خيالية، حلم بها شخص لا يفكر ولا يتصرف كغيره من الناس بالطريقة المتداولة والرتيبة نفسها، شخص يؤمن بأنه لابد من جرعة جنون لتحقيق حلم مستحيل، ولابد من قلب جسور لنحظى بحياة ممتعة، فالحياة العاقلة تبدو مملة أحياناً، الذين اخترعوا الطائرة ومركبة الفضاء والهاتف الذكي والأطباق اللاقطة والحواسيب اللوحية، وتطبيقات التواصل خرافية التأثير كالفيسبوك وتويتر والإنترنت فائق السرعة والواي فاي و... هؤلاء وغيرهم قرأوا كف المستقبل بشكل صحيح ودقيق جداً أو لنقل أسهموا في رسم خطوط تلك اليد دون خوف أو حذر ودون أن يتلفتوا حولهم خوفاً من أن يتهموا بالجنون أو الخروج على تعاليم القبيلة العاقلة !! لو أن أحداً كان قد أسرّ لك منذ عشر سنوات مثلاً بأنه سيأتيك يوم تجلس في طائرة تحلق بك على ارتفاع أكثر من 30 ألف قدم ، قاطعة آلاف الأميال عبر المحيطات والقارات بينما أنت في تلك الطائرة تتبادل الحديث مع أصدقاء لك في بلدان مختلفة وفي الوقت نفسه هل كنت ستصدقه ؟ ربما ستصدقه لكنك لم تكن لتتخيل كيفية حدوث الأمر، ودرجة السهولة التي سيبدو عليها؟؟ هذا ما أفكر فيه الآن وأنا أكتب هذا المقال على هذا الارتفاع، بينما صديقتي في أبوظبي تواكب حركة عودتي من السفر عبر الفيسبوك ومعها صديقات من مصر والشارقة والأردن! لست وحدك بعد الآن في أي مكان وفي أي وقت، أنت مصحوب بالعالم حيثما تحركت بفضل التكنولوجيا، أنت ممتلئ بقدر إحساسك بالفراغ، كما أنك محاط بأشخاص من كل الأقطار في الوقت الذي تظن فيه أنك تمعن في فردانيتك وخصوصيك ووحدتك !! لقد اعتقد أستاذ الإعلام الأميركي مارشال ماكماهون ومنذ سنوات بعيدة أن وسائط الإعلام ستحول العالم إلى قرية عالمية صغيرة يتواصل فيها الجميع عن طريق تدفق الأخبار والمعلومات عبر الكابلات العملاقة، الذي يحدث اليوم فاق خيال صاحب مصطلح القرية العالمية، الذي يحدث أن العالم صار غرفة صغيرة وأحياناً فإن العالم كله بخيره وشره، بحسناته ورذائله بأفكاره الشيطانية وقيم الخير الرائعة فيه تلوح مندسة تحت لحافك، جرب أن تزيح الأغطية، اخرج جهاز الهاتف الذكي تواصل عبر الإنترنت السريع، اضغط الزر .. العالم بين يديك، ما عليك سوى أن تكون مفتوح العينين ويقظاً أكثر بدرجة من المعتاد ، فما سيتدفق أمام ناظريك يفوق ما حلمت به أميركا حين دخلت مع بلدان العالم الثالث صراع التدفق الحر للمعلومات !