كتبت تدوينة قصيرة على حسابي في الـ«فيسبوك»، كانت عبارة عن ملاحظة خاطفة استوقفتني وأنا أتنقل في شوارع وأحياء العاصمة التايلاندية بانكوك، ولطالما لفتني هذا الأمر كلما قدمت إليها، في هذه المرة قررت أن استفسر وأن أتتبع الحكاية، قلت لفتاة المقهى، حيث أسكن بأنني أكتب في الصحافة وبأنني مهتمة بموضوع العقائد والأديان، فأبدت دهشتها على طريقة شعوب شرق آسيا الذين يندهشون حيال كل شيء جديد عليهم. ما كان يلفتني هو تماثيل بوذا المنتشرة في كل ركن من شوارع وأزقة المدينة، وتلك الأطعمة والمشروبات التي توضع أمامه، ماذا تعني؟ سألت الفتاة؟ فقالت أظنها توضع قرابين لبوذا ليتقبلها كصدقة تشفع لأرواح الموتى! وحين سألت رجلاً كان يحمل الأطعمة إلى حيث التمثال، قال لي إنها توضع كطعام لبوذا، حين سألته ماذا يفعل بها بوذا؟ قال تأخذها روحه في المساء! ربما كان يقصد يباركها أو يتقبلها ربما، سألته بشكل مباشر وربما فج أيضاً، هل تؤمن بذلك؟ إجابته كانت قاطعة: نعم أؤمن، والمعروف أنه من باب اللياقة أن لا تسأل شخصاً في ثوابته الدينية إذا كنت مختلفاً معه في هذه الثوابت، خاصة إذا كنت غريباً، تماماً كما علمنا أهلنا، وكما يقول المثل «يا غريب كن أديب»، بمعنى كن مؤدباً، لكن فضول الكاتب يكسر بعض القواعد أحياناً!! في محل لبيع المستلزمات الرياضية، دخلت لشراء بعض الأحذية التي لفتتني ألوانها الزاهية، وعندي فإن مدن الشرق واقعة في هوى اللون لأنها مصنوعة منه ومعجونة به وهي من اخترعت الألوان حتماً، وجدت تمثال بوذا في قلب المحل، سألت البائع لماذا هذه الأطعمة، أجاب لتجلب لي الحظ، فعرفت أن العبادة واحدة، وأننا جميعاً نحمل الله في داخلنا ونتوجه إليه بالعمل ذات، لكن لكل منا غاية مختلفة! فحين سألت فتاة المقهى هل تؤمنين بأن بوذا يستجيب لك قالت: لست متأكدة من وجوده أصلاً، أنا أؤمن به قليلاً، لكنني أؤمن بنفسي أكثر، فأنا من يجب أن يسعى ويكد ويجتهد ليعيش ويحصل على رزقه والقليل هو ما أتركه للسماء! قالت نحن نسأل ونؤمن بعقولنا، جدتي ربما سيكون لديها إجابات مختلفة لأنها مؤمنة بلا سؤال، هذا هو الفرق كما قالت! في الحقيقة، هذا هو الفرق بين الأجيال الجديدة في كل مكان والأجيال التي سبقتها، ولذلك فعلينا أن نمدهم بإجابات مقنعة وبمنظومة تعليم ترقى إلى مستوى تفكيرهم!