عندما يعتنق الإنسان فكرة امتلاك الحقيقة، يكبل نفسه بقيود الوهم، ويبتعد كثيراً عن خلاصة من الدونية.. الآن، وبعد ثلاثة عقود أو أكثر، يقف العالم على عتبة حرب تخريبية، تدمر الذات البشرية، وتحول الحضارة إلى لعبة أطفال، ملّ الصغار من اللعب بها.. هكذا يبدو العالم المعاصر، وكأنه يخرج للتو من فضول البحث عن الذات، وهذه الذات التي أصبحت في شيخوخة بعدما عانت من التورم والتضخم، والأنانية المزرية فلو سألت طفلاً وقلت له، كيف يبدو المحيط، فسوف يقول لك: إنه هنا.. إنه هناك، ولم يعرف ما هو المحيط، وكذلك الجهلة والهاربون عن الحقيقة، لا يمكنهم تفسير مفهوم الحياة، إلا أنها مجرد دورة شمسية، يتعاقب فيها الليل والنهار ثم تنتهي إلى لا شيء.. وهكذا فإن البحث عن الحقيقة في عقول الجهلة، وكأنك تبحث عن دقيق فوق شوك في يوم عاصف.. فالحقيقة لا تعني أنك تغالط الآخر، وتنكر حقه في التفكير وأحياناً في الوجود، الحقيقة تعني أن نعترف بوجود آخر يفكر كما نفكر ولا يكفر من يقول إنه الآخر كما يحب نفسه.. اليوم أصبح عصيان الحقيقة من شيم الذين استقلوا سعة الفضاءات الإعلامية، والانفتاح الثقافي فصاروا يعيثون في الأرض فساداً، ويغدقون على الآخرين أوصافاً ونعوتاً ما أنزل الله بها من سلطان، فقط لأنهم اقتنعوا واهمين بأنهم يمتلكون الحقيقة، وهنا تقع المعضلة الكبرى، هنا يقع الإنسان فريسة وهمه عندما يتحول جواد يقود العربة، إلى جواد يقف في المؤخرة، ليدفع بعجلات غاصت في وحل الفكرة.. ما نشهده من تطرف وإرهاب، ويباب وعذاب هو نتيجة، الحقد والحقد هو باب التدمير لكل أشكال الحياة ومنها الإنسان.. والإرهاب اليوم يقتل بدم بارد لأن المنظرين والتابعين سلكوا الضواري، التي خاب ظنها في الحقيقة فما وجدت غير المخالب لكي تحطم وتؤرم، الكائنات الأخرى المسالمة.. الترف هو نتيجة وقوع المتطرفين في وهم امتلاك الحقيقة.. وهذا كل ما في الأمر.