هناك بعض المهن أو الميادين نجد المرأة مبتعدة عنها أو لا نجد لها ذكراً فيها، ولا نقدر أن نقول إنها لا تتناسب وطبيعة المرأة وخصوصية أنوثتها، فهي اليوم مصارعة وملاكمة وضمن صفوف الـ«مارينز» وسائقة حافلة أو شاحنة، طبيعياً من يمتهن هذه المهن من النساء لا يطلب من الواحدة أن ترضع وليدها حولين كاملين أو تأخذ بالها من بلل رضيعها أو تنتبه كثيراً لدروس ابنتها في الرياضيات، لكن ما أقصده أن هناك ميادين ليس فيها من العنف الذكوري، ولا من التعب العضلي، ونجد المرأة بعيدة عنها، فقلما نسمع عن امرأة فيلسوفة، ولا ندري عن السبب، هل لأن الفلسفة تصيب بلوثة الجنون كل من يتعامل بها، وهذا رأي الآخر عن الفيلسوف، لأنه لا يفهم ما يقول، ويطلب منه أن يقول ما يفهم، والنساء لا يحبذن أن تلتصق بهن هذه الصفة، ويمكن لأن الفلسفة تتعامل مع الأشياء بمنطق ورؤية ورَوِيّة، والمرأة يصعب عليها أن تجمع هذا الثلاثي وتسخره في المناقشة والمجادلة والمحاورة، كما أن الفلسفة لا تقبل بجدال يأتي من ورائه زعل سريع، وغضب دون داع، واللجوء إلى السب والشتم أو البكاء تأثراً، لذا نجد سداً بين الفلسفة وبين المرأة، لا هي قبلت أن تتخطاه، ولا الفلسفة رضيت بالتنازل عن شروطها. كذلك من الصعب أن نجد المرأة في مكان الـ«مايسترو» لقيادة فرقة موسيقية أوركسترالية، ليس بالتأكيد بسبب لفظة الـ«ماسترو» الذكورية، ولا بسبب الحركات الجنونية التي يندمج فيها بعصاه السحرية حتى يوقف شعره، كما يوقّف شعر بدن المستمعين والنظّارة، ولكن ربما بسبب عدم تدريب المرأة على القيادة وفنها وتصدر مواقع الأمر والنهي طوال سنين من التاريخ، مما أعطى الذكر زمام المبادرة دائماً، وقيادة أمور كثيرة في الحياة، ولم يقبل أن يتنازل عن سلطة انتزعها انتزاعاً، وحوّطها بسر النصوص المقدسة والأعراف والتقاليد وفرض القوة. وقلما نجد المرأة رسامة عالمية مشهورة، مثلما لا نجد المرأة في موقع رئيس الطهاة في الفنادق والمطاعم الفاخرة، ربما لأنها جربت كثيراً أن ترضي بأكلها شخصاً واحداً، هو عادة زوجها، فلم ترضه، وهو لم يقتنع كثيراً بمرور الوقت، فكيف بها ترضي زبائن كثراً، معظمهم يأتون مع زوجاتهم اللآئي لا يقبلن أن تنافسهن امرأة أخرى في صنع الأكل، ولا يحببن أن يمتدح أزواجهن أمامهن صنيع امرأة أخرى، ثم متى مدحت امرأة أكل واحدة غيرها؟!