نتعامل بغرابة شديدة مع الكثير مما هو حولنا، نتعاطى مع ما هو ظاهر أمامنا وكأننا ملكنا المعرفة الكاملة به. بينما الحقيقة أن ما يبدو لنا ما هو إلا أقل القليل من الحقيقة. ينطبق ذلك على البشر والحجر وكل ما هو محيط بنا. يقول علماء الفلك إنه حتى الآن لم يتم رصد سوى 5 بالمئة من الكون، وحسب ما يخبروننا، فإن العدم المظلم الذي نراه بين النجوم، هو المادة التي تكون بها الكون بكل نوره المتألق في سماء الدنيا؛ إذن فالظلمة هنا هي المعرفة الحقيقية. إذن من ظلمة الكون تكوّن النور، تبدو المعلومة مربكة للوهلة الأولى، ولغير المتخصصين تبدو غير منطقية على الإطلاق، ولكن بقليل من التفكر، وربما عيش تجربة خاصة كالتي يوفرها «جوجنهايم أبوظبي» عبر أبعاده المضيئة، يمكن الاقتراب من دور الظلمة الأساسي في منح الضوء، ومنحه بعداً مختلفاً عما اعتدنا عليه؛ سواء في انعكاسه على سطح معتم ثابت أو متحرك، أو من خلال العتمة التي يحدثها مرور الضوء على المجسم لكي يكتمل العمل الفني عبر الحالة الظلية. (تصيبك حالة من السكينة يلفها شعور بالدوار مخلوط بلذة تتبعها رغبة في التحليق أو الاستلقاء كالناسك في محرابه إلى مالا نهاية). ما سبق كلمات حاولت فيها وصف الشعور الذي انتابني خلال دقائق مكثتها في غرفة (اللانهاية المنعكسة - ممتلئة بألق الحياة) وهي غرفة مصنوعة من جدران المرايا يتدلى من سقفها مصابيح (LED) الموفرة للطاقة. يقدم العمل رغم بساطة فكرته تعبيراً رمزياً للكون اللانهائي في أبعاده. الغرفة إحدى المقتنيات الفنية المشاركة في معرض أبعاد مضيئة في منارة السعديات بأبوظبي‏، والتي جمعها قاسم الضوء كعنصر جمالي. وتقدم المعروضات على اختلافها وتنوع خلفيات الفنانين وثقافتهم تجربة فريدة للزائر عبر الإحساس بالضوء في مختلف أبعاده المكانية والحسية والإدراكية. ويقدم الضوء بعداً غامضاً خاصاً بكل عمل، لا يمكن أن تمر بهدوء على أي عمل دون التوقف أمامه ومحاولة تلمس شفرته وليس حلها؛ غير أن شفرته الحقيقية لا تقرأ إلا عبر إدراك وجود الظلام حوله، أو في ظله.