من الأزهر الشريف، صرح الوسطية والاعتدال الذي جاء به الإسلام، جاءت الدعوة الراقية رقي الرسالة المحمدية للتسامح، وإظهار سماحة دين الحق، رداً على ما جاء في العدد الجديد لصحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة، وتضمن رسماً مسيئاً لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، والذي دعت مرجعية الأزهر لتجاهله باعتباره «خيالاً مريضاً وعبثاً كريهاً»، لم ولن ينتقص من مقام نبينا الكريم الذي بعث رحمة للعالمين. لقد كان الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له المجلة الساخرة في السابع من يناير الجاري، وذهب ضحيته عدد من العاملين فيها، وما أعقبه من هجوم دامٍ على متجر يهودي في العاصمة باريس، محل تنديد واستنكار وإدانة الجميع، باعتباره عملاً جباناً وخسيساً من أعمال الإرهاب، لا يمت، ولا منفذيها، للإسلام بصلة، بل قدم- كما أكدنا- هدية لا تقدر بثمن للذين يذكون جذوة «الإسلاموفوبيا» في كل مكان. ووفروا أكبر تعاطف للمجلة الأسبوعية التي شارفت الإفلاس، ليرتفع توزيع عددها الأخير إلى قرابة الخمسة ملايين نسخة. ولكن تعاطف المسلمين معها انحسر وتراجع، وهي تصر على المضي في مسلكها الضال والمرفوض والمدان من المسلمين بعدم التفريق بين حرية التعبير والإساءة للأديان. لقد جاءت الدعوة السامية للأزهر الشريف لتذكر بقيم الإسلام التي تنتصر للحق والعدل بالسلوك القويم، والدعوة بالتي هي أحسن وأقوم، لا بالتفجير والنسف وإراقة الدماء والتدمير. دعوة تحمل مناشدة للطرف الآخر للجم التطرف ومن يغذيه، ووقف الأعمال المثيرة للفتن الدينية والطائفية وتعميق الجراح وتوسيع دائرة الكراهية. لقد كانت لفتة راقية ومسؤولة للرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، بتأكيده أن حرب بلاده على الإرهاب، وليس الإسلام، مشدداً على دور مسلمي فرنسا ومساواتهم كمواطنين فرنسيين لهم ما لهم من حقوق وعليهم ما عليهم واجبات. وكذلك الموقف الشجاع والمسؤول للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تقدمت مسيرة برلين الثلاثاء الماضي للتنديد بأولئك الذين يريدون استغلال أحداث إرهابية لإقصاء الآخرين المختلفين معهم دينياً، مؤكدة أن الإسلام أصبح جزءاً من ألمانيا. إن دعوة الأزهر الشريف للتسامح بحاجة إلى التفاف العالم الإسلامي ودعمه، وصولاً نحو استصدار تشريع دولي يجرم الإساءة للأديان ورموزها المقدسة، لقطع الطريق على أصوات التطرف والإرهاب الأعمى.