ربما لا ننتبه إلى بعض البرامج التلفزيونية، وتمر علينا مرور الكرام، لأنها برامج لا تعني شيئاً ولا تقدم شيئاً، فتذهب جفاء.. تذهب كالزبد، ولكن عندما يدهشك برنامج معين بقيمته الإبداعية، وشيمته الثقافية، ونخوته الاجتماعية، فإنك تتوقف قليلاً وتفرك جفنيك، ثم تحملق، وتبحلق، وتحدق، وتتسمر جالساً في مكانك وتلغي مشاغلك لتتفرغ للمشاهدة، وتتابع باهتمام بالغ، لأن البرنامج المهم يفرض نفسه عليك، ويجلسك رغماً عن كل الظروف، ويجعلك أسير المتابعة الحثيثة. برنامج «المسامح كريم»، الذي يقدمه الإعلامي المميز جورج قرداحي، أعجبني وأدهشني، لأنه برنامج يناقش قضايا ملحة وحساسة، تدخل في صلب الحياة الإنسانية، برنامج اقتطع من زماننا الهش، ساعة تقريباً، مهمة جداً وضرورية، لأنها ساعة صدق وإخلاص وجدية، ساعة تجمع بين قلبين متنافرين، وتجعلهما غصنين بشجرة واحدة، تجعلهما رافدين لنهر واحد، تجعلهما شريانين لقلب واحد، تجعلهما ينسيان ماضي الغضب، ليدخلان في حاضر الحب والشفافية والتعافي من الحقد والكراهية. حقيقة، هذا البرنامج مكسب لتلفزيون أبوظبي، بل قد يغفر لنا جميعاً مشاهدة بعض البرامج السطحية التي لا تقدم شيئاً، وأعتقد أن تلفزيون أبوظبي ماضٍ باتجاه التجويد، والقبض على حكمة الأداء الإعلامي، بكل براعة وإبداع.. من شاهد برنامج المسامح كريم، أيقن أن الحياة بخير، وأن هنا من الإعلاميين من يخلص لهذه المهنة الشريفة، وأنه يجتهد لأجل تقديم كل ما يهم الإنسان ويشغل باله، وجورج قرداحي بكاريزميته الرائعة، تناسب كثيراً مع هذا البرنامج، وفرض شخصيته على المدعوين لهذا البرنامج، واستطاع أن يمارس هالته النفسية في رضوخ بعض المتمسكين بآرائهم لِمَ أراد أن يصل إليه ويحققه، واستطاع أن يحول هذا البرنامج إلى مجلس حواري ثقافي، يعالج قضايا تشغل وجدان الناس، وتحرك مكامن الشوق لديهم، وأحياناً تثير غباراً وسعاراً، لكن هذا الإعلامي، لديه القدرة على الإمساك بلجام الخيل، وترويضها، وتحييدها، وتحويل اتجاهها إلى حيث يكمن الخير للناس، ويصلح حالهم، ويعيد المياه العذبة إلى قنواتها الصحيحة.